الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم دفع بقرة لشخص يقوم عليها والدر والنسل بينهما

السؤال

نحن شريكان في ـ بقرة ـ فاقترح علي الطرف الثاني أن أتولى مصاريف أكلها مقابل نصف المولود، فوافقت واستمر الأمر هكذا مدة، وبعد ذلك أراد أن يفض هذه الشركة، والآن معها ولد، وكنت أتولى مصاريف أكلها، فهل يجوز أن نثمن البقرة ـ رأس المال ـ والمولود وهوالربح كأنهما شيء واحد؟ أم نثمن البقرة على حدة، لأنها رأس المال بالتساوي بيننا، والمولود على حدة، لأن لي فيه النصف، لأن الربح بيننا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم تتضح لنا صورة السؤال، وهل اشترك الطرفان في ثمن البقرة، ويكون النسل بينهما على أن ينتفع المربي بلبنها وسمادها نظير علفها ورعايتها، أم بَذَلَ الثمنَ أحدُهما فقط، على أن يقوم الآخر بعلفها ورعايتها، والنتاج بينهما؟ وعلى أية حال، فمثل هذا النوع من المشاركات محل خلاف بين أهل العلم، والجمهور على بطلانه والمنع منه، كما سبق أن نبهنا عليه في الفتاوى التالية أرقامها: 103809، 114480، 332656.

وقد نصر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم القول بالجواز، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: تجوز المغارسة عندنا... وهذا كما يجوز أن يدفع إليه ماله يتجر فيه والربح بينهما نصفان، وكما يدفع إليه أرضه يزرعها والزرع بينهما وكما يدفع إليه شجرة يقوم عليه والثمر بينهما، وكما يدفع إليه بقره أو غنمه أو إبله يقوم عليها والدر والنسل بينهما... ونظائر ذلك، فكل ذلك شركة صحيحة قد دل على جوازها النص والقياس واتفاق الصحابة ومصالح الناس، وليس فيها ما يوجب تحريمها من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا مصلحة، ولا معنى صحيح يوجب فسادها، والذين منعوا ذلك عذرهم أنهم ظنوا ذلك كله من باب الإجارة، فالعوض مجهول فيفسد... والصواب جواز ذلك كله، وهو مقتضى أصول الشريعة وقواعدها، فإنه من باب المشاركة التي يكون العامل فيها شريك المالك هذا بماله، وهذا بعمله، وما رزق الله فهو بينهما، وهذا عند طائفة من أصحابنا أولى بالجواز من الإجارة، حتى قال شيخ الإسلام: هذه المشاركات أحل من الإجارة، قال: لأن المستأجر يدفع ماله، وقد يحصل له مقصوده وقد لا يحصل، فيفوز المؤجر بالمال والمستأجر على الخطر، إذ قد يكمل الزرع وقد لا يكمل، بخلاف المشاركة، فإن الشريكين في الفوز وعدمه على السواء، إن رزق الله الفائدة كانت بينهما، وإن منعها استويا في الحرمان، وهذا غاية العدل، فلا تأتي الشريعة بحل الإجارة وتحريم هذه المشاركات...

وسئل مفتي الديار المصرية السابق الشيخ حسنين محمد مخلوف عن هذا النوع من الشراكة، فقال: إن المعاملة على الوجه الوارد بالسؤال وعلى الوجه الشائع في الريف من أن يدفع الشريكان الثمن مناصفة، ويقوم أحدهما وهو المسمى بالقاني بما يلزم للماشية من أكل وشرب في نظير أخذ لبنها وسمادها، والآخر وهو المسمى الشريك المرفوع لا يدفع شيئا في النفقة، ولا يأخذ شيئا من لبنها وسمادها، على أن يكون نتاجها بينهما مناصفة، هذه المعاملة ليس فيها مانع شرعي مع تعامل الناس بها وتعارفهم عليها، وللناس فيها حاجة، ولم يوجد نص يحظرها بعينها من كتاب أو سنة أو إجماع، ولا يترتب عليها ما يترتب على ما حظره الشارع من التصرفات من التنازع والشحناء وإيقاع العداوة والبغضاء أو الظلم والفساد، فتكون صحيحة وجائزة شرعا، دفعا لما يلزم من الحرج وتيسيرا على الناس، وعلى ذلك فيكون النتاج الحاصل من البقرة شركة بين الشريكين، ويكون للشريك المرفوع الحق في الأبقار الأربعة، وتكون الأبقار المذكورة شركة بالنصف بين الشريكين حسب الشروط. اهـ.

وعلى القول بصحة هذه المعاملة، فإن كان شريك السائل هو من اشترى البقرة وحده، على أن يقتسم النسل مع السائل فعند فض الشركة ترجع البقرة لصاحبها، ويقتسمان النسل فقط، وأما إن كانا تشاركا في ثمن البقرة، فإنهما يقتسمانها هي ونسلها، وذلك ممكن ببيعهما وقسمة ثمنهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني