الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ذكر الله -تعالى- في سورة المجادلة الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). فهل الرسل يتقاضون المال من أجل تبليغ الرسالة؟
وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

فلا علاقة ألبتة بين آية النجوى هذه، وبين سؤال السائل: فهل الرسل يتقاضون…. ذلك أن سبب نزول هذه الآية أن قوماً من المسلمين كانوا يستخلون النبي -صلى الله عليه وسلم- يناجونه، فظن بهم قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في النجوى، فأمر الله تعالى بالصدقة عند النجوى، ليقطعهم عن استخلائه، وعن ابن عباس أن المسلمين أكثروا المسائل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه، فلما نزلت الآية، ضنَّ كثير من الناس، وكفوا عن المسألة، فأنزل الله بعدها الآية التي نسختها. وقيل في سبب النزول غير ذلك.

المهم أن الله -تبارك وتعالى- أمر مريد النجوى بتقديم الصدقة، لَحَكَمٍ عديدة، منها: تعظيم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومنها: النهي عن الإفراط في السؤال، وتميز المخلص من المنافق، ومنها انتفاع فقراء المسلمين بما يقدمه المناجي من الصدقة، أما هو -صلى الله عليه وسلم- فالصدقة لا تحل له هو ولا لآله، كما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وبمعرفة أسباب نزول الآية الكريمة، والحكمة من الأمر بتقديم الصدقة، يتضح جلياً أن إيرادها استدلالاً، أو استئناساً على أن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- يتقاضون أجوراً مقابل تبليغهم، بعيد كل البعد، فالآية في واد، والسؤال في واد.

أما الرسل -صلوات ربي وسلامه عليهم- فحاشاهم من ذلك، إذ هم أكمل الخلق علماً وعملاً، وأبرهم وأعفهم، اصطفاهم الله تعالى وخصهم بتبليغ رسالته، فبلغوها امتثالاً لأمره، وتحملوا في أدائها ما تحملوا ابتغاء ثواب الله -تعالى- وأجره، فهذا نوح -عليه السلام- أولهم، يقصُّ علينا القرآن الكريم قوله لقومه: وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ {هود: 29}، ومثله هود، وصالح، ولوط، وشعيب، كلهم يقول: لقومه: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {الشعراء: 109}. وهذا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو آخرهم يقول: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ {ص: 86}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني