الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث: لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِى يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ...

السؤال

شرح حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال « لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِى يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِى لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ » رواه البخاري ومسلم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث سيق لبيان أن أَولى الناس بوصف المَسْكنة الكامل، وأحق الناس بصدقة المتصدقين، ليس هو الشخص الفقير المحتاج الذي يذهب إلى الناس بوجه مكشوف، ويسألهم أن يعطوه شيئًا من المال يَسُد به جوعته، وهم مع ذلك يعرفون حاله، ويتفقدونه بين الفينة والأخرى، ويتعاهدونه بالصدقة، فلا يتركونه يضيع هو وأسرته، وإنما هو الشخص الفقير الذي لا يسأل الناس شيئًا (لا بلسان المقال ولا بلسان الحال) بسبب عفَّته وشدة حيائه، وفي الوقت نفسه لا يَفطن الناس لحاله، ولا يعلمون فقره وحاجته، فيبقى في بيته يعاني شدة الجوع والمَسْغبة هو وعياله، والناس يظنون أنه في غِنى وعافية وسعة رزق، فهذا الأخير هو المسكين الكامل في المسكنة. ومع أن الأول الذي يسأل الناس ويمد إليهم يده يصدق عليه أيضًا أنه مسكين، إذ لولا احتياجه ما تسوَّل؛ إلا أن هذا الأخير أحق وأجدر بهذه التسمية، قال الحافظ العراقي في كتابه (طرح التثريب): مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الْمِسْكِينَ الْكَامِلَ الْمَسْكَنَةِ هُوَ الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي لَا يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَسْأَلُهُمْ وَلَا يُفْطَنُ لِحَالِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ أَصْلِ الْمَسْكَنَةِ عَن الطَّوَّافِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ نَفْيُ كَمَالِهَا. انتهى.

ومعنى: ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، أن الناس يعطونه شيئًا ولو قل، ومعنى: ولكنْ المسكين الذي لا يجد غِنى يغنيه، أي: لا يجد مالاً يكفيه ويستغني به عن سؤال الناس، ومعنى: ولا يُفطن له فيُتصدق عليه، أنهم لا يعلمون بحاله وفقره وحاجته، مع كونه لم يسألهم، ولم يطف عليهم، فهذا يكون في غاية المعاناة، حيث إن الناس لا يطلعون على حاله، وهذا لا شك أنه هو الأجدر والأولى بالصدقة والإحسان والبر، مع أن الأول يعطَى أيضًا، قال في (طرح التثريب) عند عدِّه الفوائد المستنبطة من هذا الحديث: فِيهِ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمُتَعَفِّفِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى السَّائِلِ الطَّوَّافِ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني