الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

البيع للشريك مع إقراض المشتري البائعَ قرضًا حسنًا

السؤال

دخلت منذ ما يزيد عن ثلاث سنين بمبلغ من المال شريكًا في مجموعة تشتري عقارات بغرض الاستثمار، ومنذ ذلك الحين اشترينا قطعة أرض، وشرعنا في بنائها، ولكن بسبب عدة مشاكل بين الشركاء، ونقص في الماديات، توقفت أعمال البناء منذ مدة، وإلى أجل غير مسمى، وأصبح حال العقار معلقًا.
وإذ إني احتجت إلى المال، فقد طلبت من شركائي أن أنسحب بنصيبي، وآخذ حصتي، فكان أن عرض عليّ أحد الشركاء أمرين: أحدهما -وهو ما أميل إليه- أن يعطيني رأس مالي الذي دفعته منذ ثلاثة أعوام ونصف، ومعه مثله على سبيل القرض لمدة ٣ سنوات ونصف أخرى، وهي نفس المدة التي احتجز فيها مالي في ذلك المشروع، أي: أنني إذا كنت قد دفعت مائة ألف، فسيرد إليَّ تلك المائة ألف، ويقرضني فوقها مائة ألف أخرى، على أن أردها إليه بعد ثلاث سنوات، مع العلم أن قيمة العملة النقدية عندنا في مصر قد تدهورت خلال تلك المدة، فأصبح ما كان يباع منذ ثلاث سنوات بمائة، يباع الآن بثلاثمائة على الأقل، أي: أنني إذا انتظرت إلى أن ينتهي للبناء، وتوزع الأرباح، فإنني أتوقع مكسبًا يتراوح من ضعفين إلى أربعة أضعاف رأس المال، ولكنني لا يسعني الانتظار إلى أجل غير معلوم، فما رأيكم في مشروعية ذلك؟ وهل يحل لي القبول بهذا القرض، كتعويض عن تضحيتي بنصيبي من الأرباح المتوقعة إذا بني العقار وبيع، فقد أخبرني البعض أن في ذلك شبهة ربا، ولكن لا أدري كيف؟ وجزاكم الله عنا خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما كونك ستبيعه نصيبك بمثل رأس المال، فهذا بيع لا حرج فيه، وإذا كان الشريك يريد أن يشتري منك، ويقرضك قرضًا حسنًا دون اشتراط ذلك عليه، كما ذكرت، وإنما اقترح هو ذلك من تلقاء نفسه، وعرضه عليك تبرعًا منه، بحيث يكون القرض منفصلًا عن البيع، فلا حرج فيه.

وأما لو كان هنالك ما يقتضي إغراءه لك بالقرض لتبيعه، فيكون العقد جامعًا بين بيع وقرض، فذلك غير جائز؛ لأنه لا يجوز الجمع بين القرض وبين عقد من عقود المعاوضة -كالبيع والإجارة-؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع. رواه أحمد، والأربعة، وصححه الألباني. وعلة ذلك أنه ذريعة إلى الربا، ويؤول إليه؛ لأن هذا القرض يجر نفعًا على مقرضه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية الفقهية: نهى صلى الله عليه وسلم عن أن يجمع بين سلف وبيع... وكل تبرع يجمعه إلى البيع والإجارة، مثل الهبة، والعارية، والمحاباة في المساقاة والمزارعة والمبايعة، وغير ذلك، هي مثل القرض، فجماع معنى الحديث: أن لا يجمع بين معاوضة وتبرع؛ لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة، لا تبرعًا مطلقًا، فيصير جزءًا من العوض. اهـ.

قال ابن القيم: وحرم الجمع بين السلف والبيع، لما فيه من الذريعة إلى الربح في السلف، بأخذ أكثر مما أعطى، والتوسل إلى ذلك بالبيع أو الإجارة، كما هو الواقع. اهـ. وراجع الفتوى رقم: 42437.

وبناء عليه؛ فينظر في حقيقة القرض، وهل هو محض تبرع من الشريك غير مشروط بالبيع له، فيكون مباحًا، أو أن القرض مشروط بالبيع له، فيكون محرمًا، ولك بيع نصيبك لغيره إن شئت، أو تنتظر اكتمال المشروع وأرباحه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني