الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الطعام الذي مات فيه النمل

السؤال

بارك الله فيكم.
ما حكم أكل الطعام الذي وقع فيه نمل ومات؟ خاصة إن كان يصعب إزالة النمل منه، أو حتى إن أزيل النمل. هل يحل الطعام إن أزيل النمل، أم يقال إنه لا يحل؛ لأنه ربما بقيت فيه أجزاء من النمل، وإن أزلنا النمل الظاهر المشاهد بالعين، لكن ربما تكون هناك أجزاء منه؟
وماذا إن كان هذا النمل أكل شيئا نجسا من قبل، أو مر على نجاسة قبل وقوعه في الطعام؟
والعسل إذا وقع فيه نمل ماذا نفعل؟ هل يكفي تجنب النملة عينها، أم إن كل العسل يصبح لا يحل أكله؟
و"ما أمر الشارع بقتله أو نهى عن قتله فيحرم أكله"
والنملة منهي عن قتلها.
و" قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في نظم القواعد الفقهية
ومن مسائل اﻷ‌حكام في التبع *** يثبت ﻻ‌ إذا استقل فوقع
قال الشيخ شارحا نظمه: يعني أنه يثبت تبعا ما ﻻ‌ يثبت استقلاﻻ‌، فإن من اﻷ‌حكام أشياء يختلف حكمها في حال اﻻ‌نفراد، وفي حال التبع لغيرها، فلها حكم إذا انفردت، ولها حكم إذا تبعت غيرها.
فمن ذلك البيع: ﻻ ‌يجوز بيع المجهول استقلاﻻ‌، ويجوز إذا كان تبعا لغيره، والجهالة يسيرة، كأساسات الحيطان، وما اختفى تبعا لما ظهر. والحشرات ﻻ ‌يجوز أكلها منفردة، ويجوز أكل الدود ونحوه تبعا للثمرة ونحوها، والنحل في ذبابه) انتهى." منقول من موقع "ملتقى أهل الحديث"
أفيدونا جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فالطعام والشراب الذي مات فيه النمل -سواء كان عسلا أو غيره- لا يتنجس؛ لأن ميتة النمل طاهرةً، لكونه مما لا نفس له سائلة.

جاء في شرح المنتهى: وَمَيْتَةُ مَا لَا نَفْسَ: أَيْ دَمَ لَهُ يَسِيلُ، كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْعَنْكَبُوتِ، وَالذُّبَابِ وَالنَّحْلِ وَالزُّنْبُورِ وَالنَّمْلِ وَالدُّودِ مِنْ طَاهِرٍ ... طَاهِرَةٌ. لِحَدِيثِ «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَمْقُلْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: "فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ" وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ بَارِدٍ وَحَارٍّ، وَدُهْنٍ مِمَّا يَمُوتُ الذُّبَابُ بِغَمْسِهِ فِيهِ. فَلَوْ كَانَ يُنَجِّسُهُ، كَانَ آمِرًا بِإِفْسَادِهِ .. اهــ مختصرا.
فيزال النمل من ذلك الطعام أو الشراب، ثم يؤكل أو يُشرب، ولا يُؤكلُ النمل مع الطعام أو الشراب إذا أمكن إزالته لأمرين:
أولهما: لأنه من الحشرات.

قال ابن هبيرة: واتفقوا -يعني الأئمة الأربعة- على أن حشرات الأرض محرمة إلا مالكا، فإنه كرهها من غير تحريم في إحدى الروايتين، وفي الأخرى قال: هي حرام. اهـ.
وثانيا: لكونه منهيا عن قتله.

قال النووي في المجموع: مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ حَرُمَ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ أَكْلُهُ، لَمْ يُنْهَ عَنْ قَتْلِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُنْهَ عَنْ قَتْلِ الْمَأْكُولِ، فَمِنْ ذَلِكَ النَّمْلُ وَالنَّحْلُ فَهُمَا حَرَامٌ ... اهـ.
وإن تعذر إزالته، أُكل مع الطعام ولا حرج.

جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير عن ميتة ما لا نفس له سائلة: إنْ وَقَعَ فِي طَعَامٍ وَمَاتَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مُتَمَيِّزًا عَنْهُ، أَكَلَ الطَّعَامَ وَحْدَهُ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ الطَّعَامِ وَاخْتَلَطَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الطَّعَامِ أُكِلَ هُوَ وَالطَّعَامُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ لَمْ يُؤْكَلْ، فَإِنْ شُكَّ فِي كَوْنِهِ أَقَلَّ مِنْ الطَّعَامِ أُكِلَ أَوْ لَا أُكِلَ مَعَ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا يُطْرَحُ بِالشَّكِّ، وَلَيْسَ هَذَا كَضُفْدَعَةٍ شَكَّ فِي كَوْنِهَا بَحْرِيَّةً أَوْ بَرِّيَّةً فَلَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَكٌّ فِي إبَاحَةِ الطَّعَامِ، وَإِبَاحَتُهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُحَقَّقَةٌ، وَالشَّكُّ فِي الطَّارِئِ عَلَيْهَا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فَهُوَ لِابْنِ يُونُسَ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. اهـ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني