الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

1- ما حكم حلقات الذكر الجماعي؟ يحددون موعدًا للذكر، ويذكرون في نفس الوقت مع بعضهم، ولا أعتقد أنهم يقومون بحركات معينة، فقد قرأت أنها بدعة، فهل هذا صحيح؟2- ما هو حكم البدعة؟ هل هو حرام؟ وإن كان الشيء جيدًا ولكنه بدعة، فهل يجوز عمله، أم لا يثاب عليه، أم ماذا بالتحديد؟ 3- سمعت أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فهل هذا صحيح؟ ولماذا؟4- إن كان من يفعل ذلك الذكر مسلمون غير عرب، فهل تعتبر هذه وسيلة جيدة لذكر الله؟ وسمعت من أحدهم أنه ما دام يفعل ذلك، ولا تقلل من صلاته وعباداته، فإنه لا يرى خطأ فيها. 5- هل من يفعل ذلك آثم، أم يثاب، أم لا يثاب ولا يعاقب، أم ماذا بالتحديد؟6- ما هو حكم المذاهب الأربعة في هذا الموضوع؟ وبالتحديد الحنفية؟أرجو الرد على هذه الأسئلة حتى أقتنع وأقنع بها من يفعل ذلك، وشكرًا لحضراتكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذكر الجماعي بصوت واحد على هيئة معتادة، من البدع الإضافية المحدثة، بخلاف الجهر بالذكر، واجتماع بعض المسلمين عليه، فإنه عمل مشروع في الجملة، إذا لم يكن ذلك على هيئة مخصوصة، ولم يُتخذ عادة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 312697. وما أحيل عليه فيها.

قال الشاطبي في الاعتصام: الدليل الشرعي إذا اقتضى أمرًا في الجملة مما يتعلق بالعبادات مثلًا، فأتى به المكلف في الجملة أيضًا -كذكر الله، والدعاء، والنوافل المستحبات، وما أشبهها مما يعلم من الشارع فيها التوسعة-؛ كان الدليل عاضدًا لعلمه من جهتين: من جهة معناه، ومن جهة عمل السلف الصالح به. فإن أتى المكلف في ذلك الأمر بكيفية مخصوصة، أو زمان مخصوص، أو مكان مخصوص أو مقارنًا لعبادة مخصوصة، والتزم ذلك بحيث صار متخيلًا أن الكيفية أو الزمان أو المكان مقصود شرعًا، من غير أن يدل الدليل عليه؛ كان الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه. فإذا ندب الشرع مثلًا إلى ذكر الله، فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد، وبصوت، أو في وقت معلوم مخصوص عن سائر الأوقات؛ لم يكن في ندب الشرع ما يدل على هذا التخصيص الملتزم، بل فيه ما يدل على خلافه؛ لأن التزام الأمور غير اللازمة شرعًا شأنها أن تفهم التشريع، وخصوصًا مع من يقتدى به في مجامع الناس -كالمساجد- فإنها إذا ظهرت هذا الإظهار، ووضعت في المساجد كسائر الشعائر التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المساجد وما أشبهها -كالأذان، وصلاة العيدين، والاستسقاء، والكسوف-؛ فهم منها بلا شك أنها سنن، إذا لم تفهم منها الفرضية، فأحرى أن لا يتناولها الدليل المستدل به، فصارت من هذه الجهة بدعًا محدثة بذلك. اهـ.

والبدع الشرعية في العبادات: مذمومة كلها، وإن كانت تتفاوت في الذم، وراجعي تفصيل ذلك في الفتاوى التالية: 2741، 197397، 308533. وراجعي في ضابط البدعة، الفتوى رقم: 631.

وكما تتفاوت مراتب البدع في الحرمة، يتفاوت فاعلوها في العذر، بحسب ما بلغهم من العلم، وما فهموه من الحجة، وما حضَّهم على الفعل، ثم بحسب نوع البدعة ومرتبتها.

وأما مسألة تحصيل الأجر، فلا يكون ذلك على البدعة نفسها بحال، ولكن قد يكون على ما قام في قلب صاحبها من المحبة والتعظيم، أو على حسن مقصده، ونحو ذلك، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم): ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى -عليه السلام-، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه لو كان خيرًا، ولو كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا، لكان السلف -رضي الله عنهم- أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص. اهـ.

وقال أيضًا: فتعظيم المولد، واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد؛ ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء: إنه أنفق على مصحف ألف دينار، أو نحو ذلك، فقال: دعهم، فهذا أفضل ما أنفقوا فيه الذهب، أو كما قال. مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة. اهـ.

وقال أيضًا: المجتهد المخطئ يغفر الله له خطأه، ويثيبه على حسن قصده وما يفعله من الطاعة، ومن استفرغ وسعه في طلب رضا الله فاتقى الله ما استطاع، كان من عباد الله الصالحين، وإن كان قد أخطأ في بعض ما اجتهد فيه. اهـ.

وقال في الرد على الإخنائي: البدع التي لم يشرعها بل نهى عنها، وإن كانت متضمّنة للغلوّ فيه، والشرك به، والإطراء له، كما فعلت النصارى؛ فإنه لا يحصل بها أجر لمن عمل بها، فلا يكون للرسول فيها منفعة، بل صاحبها إن عذر كان ضالًّا لا أجر له فيها، وإن قامت عليه الحجة استحق العذاب. اهـ. وراجعي لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى رقم: 138799.

وأما السؤال عن حكم المذاهب الأربعة في هذا الموضوع، وبالتحديد الحنفية، فنعتذر عن جوابه؛ لأن تأصيل موضوع البدع على اختلاف المذاهب مما يطول، ويتعذر علينا في مقامنا هذا، ويمكنك الرجوع لكتاب: (الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع) للأستاذ الدكتور/ محمد بن عبد الرحمن الخميس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني