الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا لم يذكر الجو في قوله تعالى: "هو الذي يسيركم في البر والبحر"؟

السؤال

قال الله تعالى: "هو الذي يسيركم في البر والبحر"، لماذا لم يذكر الله التسيير في الجوّ مع أنه حق، وأن الإنسان بتسخير الله تمكن من التسيير في الجو، كما تمكن بتسخير الله من التسيير في البحر؟ قال تعالى: "ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل". جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فجوابُ ما سألتَ عنه -وهو عدم ذكر التسيير في الجو- موجود في الآية الكريمة التي ذكرتها، وهي قوله تعالى: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ {الزمر: 28}، والمعنى على ما قاله المفسرون: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ، أي: وَصَفْنا لهم. مِنْ كُلِّ مَثَلٍ"، أي: مِنْ كُلِّ مَعْنًى.

قال صاحب التحرير والتنوير: فَالْمَعْنَى: ذَكَرْنَا لِلنَّاسِ فِي الْقُرْآنِ أَمْثَالًا، هِيَ بَعْضٌ مِنْ كُلِّ أَنْفَعِ الْأَمْثَالِ، وَأَشْرَفِهَا. اهـ. وفي أضواء البيان مبينًا معنى ضرب المثل: هُوَ إِيضَاحُ مَعْنَى النَّظِيرِ بِذِكْرِ نَظِيرِهِ؛ لِأَنَّ النَّظِيرَ يُعْرَفُ بِنَظِيرِهِ. اهــ.

فالله تعالى حين ذكر تسييرَه عبادَه في البر والبحر، إنما ذكر طرفًا من التسيير، وامتنّ على أهل ذلك الزمان بالتسيير الذي أنعم به عليهم، ويعرفونه، وإلا فهو عالمٌ بأنه سيسيرهم في مستقبل الزمان في الجو أيضًا.

ولهذا لما جاء المفسرون المعاصرون، ذكروا في تفسير هذه الآية أنه تعالى زادنا في هذا العصر نوعًا آخر من التسيير، وهو التسيير في الجو، قال صاحب تفسير المنار في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ {يونس:22}: السَّيْرُ الْمُضِيُّ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ، وَالتَّسْيِيرُ جَعْلُ الشَّيْءِ، أَوِ الشَّخْصِ يَسِيرُ بِتَسْخِيرِهِ، أَوْ إِعْطَائِهِ مَا يَسِيرُ عَلَيْهِ مِنْ دَابَّةٍ، أَوْ مَرْكَّبَةٍ، أَوْ سَفِينَةٍ.

أَيْ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، بِمَا وَهَبَكُمْ مِنَ الْقُدْرَةِ عَلَى السَّيْرِ، وَمَا سَخَّرَ لَكُمْ مِنَ الْإِبِلِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ، وَزَادَنَا فِي هَذَا الْعَصْرِ الْقِطَارَاتِ، وَالسَّيَّارَاتِ الْبُخَارِيَّةَ، وَالطَّيَّارَاتِ الَّتِي تَسِيرُ فِي الْأجوَاءِ. اهـ. ومثله ما جاء في تفسير المراغي: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي أنه تعالى هو الذي وهبكم القدرة على السير في البر، وسخر لكم الإبل، والدواب، وفي البحر: بما سخر لكم من السفن، التي تجري في البحر، والقطر التجارية، والسيارات. وفي الهواء بالطائرات التي تسير في الجوّ. اهـ.

فالحمد لله تعالى على نعمه السابقة واللاحقة، القديمة والحديثة.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني