الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجن منهم الصالحون ومنهم دون ذلك

السؤال

أعلم أن السحر والجن لا يؤذون بأنفسهم، وإنما بأمر الله. فهل السحر علم منفصل عن الجن؟ أعني: هل السحر هو مجرد تعاويذ وطلاسم إذا قرئت أصابت المسحور بمرض، أو أجبرته على فراق زوجته، أم السحر تعاويذ تجعل الجني يدخل في الإنسي ويصيبه بمرض -بإذن الله-؟ فقد قرأت أن الجن أنفسهم لديهم سحرة، وأنهم يعلمون البشر السحر. فلماذا يكونون سحرة، ولديهم القدرة على فعل ما يريدون بقدرتهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالسحر منه ما يشتمل على الاستعانة بالجن لتسليطهم على شخص ما لأذيته، ومنه ما لا يكون كذلك، والمعنى أن السحر أنواع مختلفة، فمنه ما يتعلق بالجن، ومنه ما لا تعلق له بهم، وراجع الفتوى: 1653، ولبسط القول في أنواع السحر تنظر الفتوى: 335065.

ثم اعلم أن في الجن -كما في الإنس- صالحين وفاسدين وعصاة ومؤمنين، قال تعالى: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا {الجن:11}، قال القرطبي: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ، هَذَا مِنْ قَوْلِ الْجِنِّ، أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَمَّا دَعَوْا أَصْحَابَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّا كُنَّا قَبْلَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا الْكَافِرُونَ. وَقِيلَ: وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ أَيْ وَمِنْ دُونِ الصَّالِحِينَ فِي الصَّلَاحِ، وَهُوَ أَشْبَهُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالشِّرْكِ. (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) أَيْ فِرَقًا شَتَّى، قَالَهُ السُّدِّيُّ. الضَّحَّاكُ: أَدْيَانًا مُخْتَلِفَةً. قَتَادَةُ: أَهْوَاءً مُتَبَايِنَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الْهَادِي بِطَاعَتِهِ ... فِي فِتْنَةِ النَّاسِ إِذْ أَهْوَاؤُهُمْ قِدَدُ، وَالْمَعْنَى: أَيْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ الْجِنِّ كُفَّارًا بَلْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ: مِنْهُمْ كُفَّارٌ، وَمِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ صُلَحَاءُ، وَمِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ غَيْرُ صُلَحَاءَ. وَقَالَ الْمُسَيَّبُ: كُنَّا مُسْلِمِينَ وَيَهُودَ وَنَصَارَى وَمَجُوسَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: طَرائِقَ قِدَداً قَالَ: فِي الْجِنِّ مِثْلُكُمْ قَدَرِيَّةٌ، وَمُرْجِئَةٌ، وَخَوَارِجُ، وَرَافِضَةٌ، وَشِيعَةٌ، وَسُنِّيَّةٌ. انتهى.

وإذا علمت هذا، فلا يبعد أن يكون فيهم من يشتغل بالسحر، وإن كان لا سبيل لنا إلى الجزم بذلك، وهو مما لا فائدة تحته، وفيهم قطعًا شياطين يعينون السحرة على سحرهم، ويعلمونهم إياه؛ كما قال تعالى: وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ. {البقرة 102}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني