الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ....

السؤال

{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ (76)} سورة الأعراف.
توجد حكمة في هذه المحادثة، فلم يقل: قال الذين استكبروا إنا كافرون. وقال الذين استضعفوا مؤمنون، إنما جعلها في صيغة محادثة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر بعض المفسرين شيئا من الفؤائد المتعلقة بهذا الحوار وألفاظه.

جاء في الكشاف: (أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ) شيء قالوه على سبيل الطنز والسخرية.
فان قلت: كيف صحّ قولهم (إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) جوابا عنه؟ قلت: سألوهم عن العلم بإرساله، فجعلوا إرساله أمراً معلوماً مكشوفاً مسلماً لا يدخله ريب، كأنهم قالوا: العلم بإرساله وبما أرسل به ما لا كلام فيه ولا شبهة يدخله لوضوحه وإنارته، وإنما الكلام في وجوب الإيمان به، فنخبركم أنا به مؤمنون.

ولذلك كان جواب الكفرة (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) فوضعوا (آمَنْتُمْ بِه) موضع (أُرْسِلَ بِهِ) رداً لما جعله المؤمنون معلوما وأخذوه مسلماً .اهـ. بحذف يسير.

وفي تفسير أبي السعود: {قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون} عدلوا عن الجواب الموافق لسؤالهم، بأن يقولوا نعم، أو نعلم أنه مرسل منه تعالى، مسارعة إلى تحقيق الحق وإظهار ما لهم من الإيمان الثابت المستمر، الذي ينبئ عنه الجملة الاسمية. وتنبيها على أن أمر إرساله من الظهور بحيث لا ينبغي أن يسأل عنه، وإنما الحقيق بالسؤال عنه هو الإيمان به.

{قال الذين استكبروا} أعيد الموصول مع صلته، مع كفاية الضمير إيذانا بأنهم قد قالوا ما قالوه بطريق العتو والاستكبار {إنا بالذي آمنتم به كافرون}، وإنما لم يقولوا إنما بما أرسل به كافرون، إظهارا لمخالفتهم إياهم، وردا لمقالتهم. اهـ.

وقال ابن عاشور: والاستفهام في: أتعلمون، للتشكيك والإنكار، أي: ما نظنكم آمنتم بصالح عليه السلام عن علم بصدقه، ولكنكم اتبعتموه عن عمى وضلال غير موقنين، كما قال قوم نوح عليه السلام: وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي [هود: 27] وفي ذلك شوب من الاستهزاء.
وقد جيء في جواب: للذين استضعفوا، بالجملة الاسمية، للدلالة على أن الإيمان متمكن منهم بمزيد الثبات، فلم يتركوا للذين استكبروا مطمعا في تشكيكهم، بله صرفهم عن الإيمان برسولهم.
وأكد الخبر بحرف (إن) لإزالة ما توهموه من شك الذين استكبروا في صحة إيمانهم، والعدول في حكاية جواب الذين استضعفوا عن أن يكون بنعم، إلى أن يكون بالموصول صلته؛ لأن الصلة تتضمن إدماجا بتصديقهم بما جاء به صالح من نحو التوحيد وإثبات البعث، والدلالة على تمكنهم من الإيمان بذلك كله، بما تفيده الجملة الاسمية من الثبات والدوام، وهذا من بليغ الإيجاز المناسب لكون نسج هذه الجملة من حكاية القرآن، لا من المحكي من كلامهم؛ إذ لا يظن أن كلامهم بلغ من البلاغة هذا المبلغ، وليس هو من الأسلوب الحكيم كما فهمه بعض المتأخرين.
ومراجعة الذين استكبروا بقولهم: إنا بالذي آمنتم به كافرون، تدل على تصلبهم في كفرهم وثباتهم فيه، إذ صيغ كلامهم بالجملة الاسمية المؤكدة.

والموصول في قولهم: بالذي آمنتم به هو ما أرسل به صالح عليه السلام. وهذا كلام جامع لرد ما جمعه كلام المستضعفين حين قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون، فهو من بلاغة القرآن في حكاية كلامهم، وليس من بلاغة كلامهم.

اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني