الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العمل في الشركات التي تعمل في مجال محرم

السؤال

كنت معيدة في الجامعة لمدة سنتين، وبعدها انتقلت للعمل بشركة اتصالات لمدة سنة، ومعلوماتي عن الشركة كالتالي:
1. الشركة في فرنسا، ولذا كل عملائها شركات فرنسية.
2. العملاء المميزون (ما يدفعونه كثير جدا مقارنة بأي عميل عادي) من ضمنهم ثلاث أو أربع شركات سجائر وخمر. ( وهذا ليس لتفضيل الشركة لهم، ولكن الشركة خدماتها غالية السعر، وهي عملية عرض وطلب، وللأسف هذه الفئة من أكثر من يملكون المال في هذا العصر.
3. هناك عملاء مميزون في مجال التغذية وخلافه، لا علم لي إذا كانوا كثيرا أو قليلا، لكني أعلم أحدهم.
4. هناك عملاء كثر في مجالات مشروعة كثيرة جدا.
5. لا علم لي إذا كان العائد أكثره من المشروع أو غير المشروع.
بالنسبة لي:
1. أنا أعمل في قسم حيث لا يوجد عملاء عملهم حرام في كل القسم تقريبا. والنسبة لا تتعدى 3%.
2. سوف أحرص على أن لا يكون أبدا نسبة العمل مع الشركات المحرمة كبيرة. (وأرجو توضيحكم لمفهوم كبيرة)
3. أجيد الفرنسية لذا ففرص عملي أفضل في هذه الشركة عن غيرها.
4. أحب طبيعة العمل أكثر بكثير، وأجيدها وأتميز فيها. في حين أن العمل في الجامعة (الألمانية) ليس ضروريا فيه السفر، ولكن لأتميز يتطلب السفر بدون محرم، وأرجو أن تفيدوني في هل هذا حلال أو حرام. ومع هذا وإن كان حلالا، فأنا أكره طبيعة العمل.
5. الشركة مقرها جانب والدي، وأمي متوفاة، وأستطيع أن أطمئن عليه بشكل يومي تقريبا. (أنا متزوجة)
6. التأمين الصحي أفضل بكثير، وكذلك كل المميزات من حضانة وخلافه والمكانين (الشركة والجامعة بهم حضانة بالشغل).
7. لا أشعر بأي تقدم في شغل الجامعة، وأكره طبيعة العمل.
8. الراتب الضعف في الشركة.
9. طبيعة الشغل أقل إرهاقا لي حيث إني كنت مصابة بوسواس في التصحيح، و دائما أتأخر في التصحيح، وفي بعض الأيام كنت أذهب للجامعة مساء لفعل هذا، وأيضا الشرح مجهد جدا لي، لكن لا تواجهني هذه المشكلة في العمل الحالي.
سؤالي هو:
1. قرأت في بعض الفتاوى على المواقع أن لا يجوز تقديم أي تكنولوجيا؛ كالتي تقدمها الشركة إذا كنت على علم أن المستخدم يعمل في مجال حرام. هل لو كانت الشركة تسميهم بأرقام مثلا، كان هذا متاحا؟ هل لأنهم يستخدمون أسماءهم للتسهيل يصبح العمل حراما؟ في حين أني أقدم تقنية تكنولوجية لتخزين بيانتهم والدخول على النت لا أكثر.
2. هل يجب عليَّ تجنب الشركات التي تعمل في مجال محرم، وإن كان هذا سيضر عملي؟
3. هل لو استطعت تجنبها يصبح العمل حلالا؟
4. هل لو استطعت العمل للأقسام الداخلية بالشركة (لا أتعامل مع الشركات الخارجية أصلا) ولكن هذه الأقسام بعض أو كل خدماتها مقدمة لشركات عملها حرام وقع عليَّ إثم؟
5. هل المفروض أن أبحث عن شركة ثانية (مع صعوبة الاطمئنان على أبي، وفقد أفضلية اللغة الفرنسية) ليكون مجمل أعمالها مع الشركات الحرام أقل؟ في حين أن كلهم جزء من أعمالهم مع شركات سجائر وهكذا، ولكن احتمال تكون شركتي أكثر لأنها فرنسية؟
مع العلم أن نسبة عملي حاليًا مع الشركات الحرام كما ذكرت قليلة، ولكن لا أستطيع ضمان هذا مع الشركات الأخرى. قد يحدث و قد لا يحدث. وبعد أن أستقر في أي قسم هل إذا جاءنا عميل مجاله حرام أترك القسم؟ مع عدم استقرار هذا، مع وجود أب وزوج وأطفال و مدارس في المستقبل -إن شاء الله-
6. هل أحاول أن أعود للعمل كمعيدة مع ثقله على قلبي؟ مع العلم أن المواعيد نفسها، وليس فيها أي يسر أو تسهيل. وأن عملي الحالي من السهل العمل من المنزل، ولكن المعيدة لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل الجامع لما تسأل عنه السائلة هو أن العمل في ما يخص الشركات المحرمة - كالخمور والسجائر -: لا يجوز، بخلاف ما عداها. وعلى ذلك فإن استطاعت السائلة أن تتجنب العمل فيما يخص الشركات المحرمة، فلا حرج عليها، وإلا فعملها يكون فيه من الحرام بقدر نسبة الشركات المحرمة، قلَّ ذلك أو كَثر.

والحرمة في هذه الشركات لا تقتصر على المشاركة في الإنتاج المحرم، ولكنها تشمل أيضا الإعانة عليه بكافة الوجوه، ولو بتخزين بياناتهم للدخول على الإنترنت، ولذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يلعن الخمر وشاربها وحده، بل لعن مع ذلك: ساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه. كما رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.

قال العظيم آبادي في (عون المعبود): اعلم -رحمك الله تعالى- أن المباشرة بالأشياء المسكرة المحرمة بأي وجه كان لم يرخصها الشارع؛ بل نهى عنه أشد النهي اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وساقيها وشاربها وآكل ثمنها. وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما: كقتال المسلمين، والقتال في الفتنة. اهـ.

والعمل إن اقترن بشيء محرم، ولو كان قليلا، ووجد غيره مما يخلو من الحرام تماما، لم يجز العمل المحرم، وإن كان الآخر أشق منه، وأقل في مزاياه، لكونه مباحا لخلوه من المحرمات.

وفيما ذكرناه إجمال لما عددته السائلة من استفسارات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني