الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اقتباس آية أو جزء من آية في الشعر والنثر

السؤال

ما حكم قول: (قاب قوسين أو أدنى) أثناء التحدث، وليس من باب الاستهزاء؟
وأيضا ليس من باب الاستهزاء: (‎اليوم رأينا نون وما يعلمون)؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذاما يسميه أهل العلم: بالتمثل، أو الاستشهاد، أو الاقتباس، وهو كما يعرفه السيوطي رحمه الله في "الإتقان في علوم القرآن": تضمين الشعرِ، أو النثرِ بعضَ القرآن لا على أنه منه؛ بألا يقال فيه: قال الله تعالى ونحوه؛ فإن ذلك حينئذ لا يكون اقتباساً. اهـ.

وقد سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 268252. اختلاف الفقهاء في استخدامه، وأن الراجح فيه الجواز في غير المزح، ولغو الحديث، وما لم يكن مما ينسبه الله إلى نفسه؛ وذلك لورود فعله عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعض السلف.

وعلى هذا، فلا حرج في إدراج جملة (قاب قوسين أوأدنى) في الخطاب، والحديث في سياق المعنى المناسب لها تحسينا للكلام والمعنى، وليس للاستهزاء ولا للغو.

أما قول: ( اليوم رأينا نون) إلى آخره، فهذه العبارات ليست من القرآن، وإن كان المراد الآية الكريمة: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ {القلم:1}, فيقال فيها ما تقدم.

وقد سئل ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- عما يجري على ألسنة بعض الناس من الآيات والسنة على سبيل المزاح، ومن ضمن ما سئل عنه العبارة المذكورة.

جاء في السؤال: كثيراً ما يتناقل بعض الناس أثناء الحديث على ألسنتهم من آيات من القرآن الكريم، أو من السنَّة على سبيل المزاح، مثاله: كأن يقول بعضهم: فلان (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) الشمس/13، أو قول بعضهم للبعض: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الكافرون/ 6، واليوم رأينا نون وما يعلمون، وهكذا. ومن السنَّة: كأن يقول أحدهم إذا ذُكّر ونُصح بترك المعصية: يا أخي (التقوى ها هنا)، أو قوله: (إن الدين يسر) وهكذا. فما قولكم في أمثال هؤلاء؟ وما نصيحتكم لهم؟
فأجاب: أما من قال هذا على سبيل الاستهزاء والسخرية: فإنه على خطر عظيم، وقد يقال إنه خرج من الإسلام؛ لأن القرآن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يُتخذ هزواً، وكذلك الأحكام الشرعية، كما قال الله تبارك وتعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) التوبة/64 - 66.
ولهذا قال العلماء رحمهم الله: من قال كلمة الكفر ولو مازحاً: فإنه يكفر، ويجب عليه أن يتوب، وأن يعتقد أنه تاب من الردة، فيجدد إسلامه، فآيات الله عز وجل ورسوله أعظم من أن تتخذ هزواً أو مزحاً.
أما من استشهد بآية على واقعة جرت وحدثت: فهذا لا بأس به، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهد بالآيات على الوقائع، فاستشهد بقوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) التغابن/15، حينما جاء الحسن والحسين يتعثران في أثوابهما، فنزل من المنبر -صلى الله عليه وسلم-، وقال: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة) التغابن/15، فالاستشهاد بالآيات على الوقائع: لا بأس به، وأما أن تنزّل الآيات على ما لم يُرد الله بها -ولاسيما إن قارن ذلك سخرية واستهزاء-: فالأمر خطير جدّاً. انتهى. "لقاءات الباب المفتوح"

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني