الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من كتب شيكًا لوالده لشراء استراحة فأصيب في عقله قبل صرفه

السؤال

كتبت شيكًا لوالدي لشراء استراحة في عام 1433هـ، وقلت: "لك سهم، ولوالدتي سهم"، وحينها كانت والدتي في غيبوبة -رحمها الله-، ووالدي لم يصرف الشيك حتى الآن، وأصبح قاصرًا عقلًا؛ بسبب جلطة في المخ -عافاه الله وشفاه-، فهل الشيك يرجع لي، ولا تنفذ هبة سهم والدتي؛ لأنها في غيبوبة، ولا سهم والدي؛ لعدم صرف الشيك؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذي فهمناه أن السائل كتب لوالده شيكًا؛ ليصرف به مبلغًا من المال، ويشتري به استراحة، تكون بينه وبين زوجته -والدة السائل- مناصفة، ثم إن الوالد لم يصرف هذا الشيك حتى مرض وأصابته جلطة دماغية، وأصبح غير قادر على التصرف.

فإن كان الأمر كذلك، فها هنا مسألتان:

أولاهما: هل قبض الشيك يعتبر قبضًا للمبلغ المكتوب فيه؛ بناء على اعتباره قبضًا حكميًّا، ما دام مصدقًا، أو في حكم المصدق، كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا .. تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها، عند استيفائه، وحجزه المصرف. اهـ؟ وراجع في ذلك الفتاوى: 153539، 354526، 381197.

وإذا اعتبر هذا في الصرف الذي لا بد أن يكون يدًا بيد، فاعتباره في الهبة أولى، ولا سيما وشرط القبض لصحة الهبة وانتقال الملك، ليس محل اتفاق، فمذهب المالكية أنه لا يشترط، جاء في الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء في اشتراط القبض؛ لنقل ملكية العين الموهوبة إلى الموهوب على قولين:

(أحدهما) للحنفية، والشافعية، والحنابلة: وهو أنه يشترط القبض لانتقال الملكية إلى الموهوب، وأن الهبة لا يملكها الموهوب إلا بقبضها.

واشترط الشافعية إذن الواهب في القبض.

(الثاني) للمالكية، وابن أبي ليلى: وهو أنه لا يشترط القبض لانتقال الملكية إلى الموهوب، بل تثبت له بالعقد، وعلى الواهب إقباضه وفاء بالعقد؛ لقوله تعالى: {أوفوا بالعقود}، حتى إن المالكية نصوا على إجبار الواهب على تسليم الموهوب إن امتنع. اهـ.

والأظهر أنه إذا كان الشيك مضمون الصرف، بأن كان مصدَّقا من البنك، وله رصيد قابل للسحب الفوري، فيعد قبضه قبضًا لمحتواه، وانظر للفائدة الفتويين: 368884، 369748.

فإن صحت الهبة على ذلك، ثم أصاب الموهوب له مرض يوجب الحجر عليه، فإن أمره يرفع إلى القضاء؛ لينصب قيمًا على ماله، يتصرف فيه بالأصلح له، وراجع في ذلك الفتويين: 399265، 306514.

وهذا كله في حق الوالد الذي استلم الشيك.

وأما الوالدة، فلم تستلم شيئًا، بل كانت في غيبوبة -كما ذكر السائل-، والظاهر أنها توفيت على هذه الحال، فإن كان كذلك، فسهمها لا يزال على ملك السائل.

وأما المسألة الثانية، فهي: أن الظاهر من حال السائل أنه لم يكن يريد هبة المال ذاته لوالديه، وإنما يريد شراء استراحة وهبتها لوالديه مناصفة، فكتب الشيك لوالده لخصوص هذا الغرض.

وإن كان هذا هو الحاصل، بحيث لو لم توجد مسألة شراء الاستراحة، لم يكتب هذا الشيك؛ فإن كتابة الشيك لا تعدو كونها توكيلًا للوالد في الشراء، ومن ثم؛ لم تحصل الهبة بعد، فيكون المال باقيًا على ملك السائل.

وما دام الأمر محتملًا، ومحل للاختلاف، وتتعلق به حقوق من هو في حكم المحجور عليه، فالذي ننصح به السائل أن يرفع الأمر للقضاء الشرعي؛ للنظر في تفاصيل المسألة، والحكم بناء على واقع الحال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني