الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حقُّ الزوج مقدم على حقّ الوالد عند التعارض

السؤال

مشكلتي هي كيف أصلح العلاقة بين زوجي وأهلي؟ أنا فتاة في عمر 23 سنة، تزوجت من شاب ذي خلق ودين، ولكنه كان متغربا بعد عقد القران بيننا. جاء موعد سفري الذي كان في أواخر شهر رمضان المبارك. رفض أبي سفري خشية أن نقع في فعل الحرام، ولكن لم نكن نستطيع تأجيل السفر لظروف البلد الذي يعيش فيها زوجي، تكلم زوجي مع أبي، ووعده، وأقسم له أنه لن يفعل ما يغضب الله، وعندما وافق أبي على السفر، وكنت في المطار تفاجأت باتصال من أبي يقول لي: إن عمي الذي يعيش في المدينة المجاورة سيأتي لأخذي لأعيش عنده، وإني إذا لم أذهب مع عمي سوف يغضب عليَّ، مع العلم أني فتاة أخاف الله، وزوجي كذلك، ونعرف حدودنا جيدا، وعندما عرف زوجي غضب كثيرا، واتصل على أخي الذي وقف بجانب أبي، وقال لزوجي أن يقنعني لأذهب مع عمي، ولكن زوجي رفض، ومن شدة غضبه قال لأخي إن أبي ليس برجل، وإنه لم يلتزم بكلمته، وأنهم قد اتفقوا على أن أذهب إليه، وأنه وعده أن لا نفعل ما يغضب الله عز وجل، وبعد أن وصلت إلى تلك المدينة، قال زوجي: إن أردت الذهاب مع عمك، فلك أن تذهبي يوما واحدا فقط، ولكن عمي وأبي رفضا، وأصرا أن أبقى شهرا كاملا عند عمي. رفضت ذلك، وقررت البقاء مع زوجي، وفعلا هذا ما حدث، ولكن أبي لا يكلمني من ثلاثة أشهر؛ رغم محاولاتي القصوى للتكلم معه، ومحاولات أمي بإقناعه حتى دخل بيننا شخص كوسيط، وحتى الآن لا يكلمني إلا في الحالات الضرورية جدا. هل تصرفت تصرفا خاطئا؟ وهل أحاسب عليه؟ هل فعلا كان عليَّ أن أنفذ ما يقوله والدي؟
والآن أنا متزوجة منذ ستة أشهر، ولكن إخوتي وأبي لا يكلمون زوجي؛ رغم أنه يُكنّ لهم الاحترام، ولكن أبي عندما كلم زوجي بعد زواجنا قام بإسماعه بعض الكلمات الجارحة. إما إخوتي فقد حاولت كثيرا أن أكلمهم، وأدعوهم ليتصلوا بزوجي، ولكنهم رافضون بسبب ماقاله عن أبي في يوم السفر، ويريدونه أن يعتذر منهم، وزوجي لا يريد الاتصال بهم؛ لأنه في اعتباره أنهم لم يقدروه، ويقدروا مشاعره، ولم يقدموا له الاحترام اللازم، وهو يرفض أن نسافر إلى مدينة إخوتي، حتى تنصلح الأمور بينهم خشية أن تقع مشاكل بيني وبينه.
هل فعلا زوجي على خطأ؟ وكيف أصلح العلاقة بينهم وبين زوجي؟ والآن تغيرت مشاعر زوجي تجاه أبي وإخوتي، ولم يعد يحبهم كما السابق، لكنه يحاول أن لا يبين لي ذلك؛ كي لا أحزن. ماذا أفعل لقد تعبت من هذه المشكلة.
شكرا جزيلا لحسن قراءتكم، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي فهمناه من سؤالك أنّ أباك كان غير راض عن سفرك لزوجك في شهر رمضان خشية حصول جماع في نهار رمضان، ثمّ وعده زوجك بألا يحصل ذلك، ثمّ سافرت إلى زوجك في دولة أخرى، وطلب منك أبوك أن تذهبي إلى عمّك الذي يقيم في تلك الدولة في مدينة مجاورة للمدينة التي يقيم فيها زوجك، فإن كان الحال هكذا، فقد أصبت بطاعة زوجك، ولم يكن عليك طاعة والدك في ما أراده. فما دام زوجك قد تسلمك، فقد وجبت عليك طاعته، وصار حقّه مقدما على حقّ والديك عند التعارض.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ كَانَ زَوْجُهَا أَمْلَكَ بِهَا مِنْ أَبَوَيْهَا وَطَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا أَوْجَبُ. انتهى.

ولا حقّ لوالدك في غضبه منك، أو قطع مكالمتك للسبب المذكور، لكن عليك أن تبريه، وتحسني إليه قدر استطاعتك.

وبخصوص السعي في الإصلاح بين زوجك وأهلك، فلا ريب في كون هذا الإصلاح عملا صالحا من أفضل الأعمال، والسبيل إلى الإصلاح يكون بالحض على التآخي، والتحذير من التدابر والتباغض بين المسلمين، والترغيب في العفو عن المسيء، ومقابلة السيئة بالحسنة، ويجوز لك في سبيل الإصلاح بينهما إخبار كل منهما بكلام يجلب المودة بينهما، ويذهب الشحناء –وإن لم يكن واقعا- وليس ذلك من الكذب المذموم، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِى يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْرًا، وَيَنْمِي خَيْرًا. رواه مسلم.

وإذا لم يمكنك الإصلاح بنفسك، فوسطي بعض الصالحين من أقارب أو غيرهم ليصلحوا بينهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني