الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقيؤ النجاسة المأكولة أو المشروبة

السؤال

أعلم أنه يجب تقيؤ الخمر، فهل ينطبق هذا الحكم على لحم الخنزير أيضًا، أو الميتة؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا فرق بين الخمر وبين لحم الخنزير والميتة وغيرها من المحرمات في حكم تقيئها بعد أكلها.

وقد اختلف الفقهاء في وجوب تقيئها: فمنهم من قال به، ومنهم من قال بالاستحباب، قال النووي في المجموع: إذا شرب خَمرًا، أَوْ غَيْرَهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ: وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مُحَرَّمٍ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَايَأَهُ. هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ. وَقَالَ فِي الْأُمِّ: وَلَوْ أُسِرَ رَجُلٌ، فَحُمِلَ عَلَى شُرْبِ مُحَرَّمٍ، أَوْ أَكْلِ مُحَرَّمٍ، وَخَافَ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَايَأَهُ، إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَهَذَانِ النَّصَّانِ ظَاهِرَانِ، أَوْ صَرِيحَانِ فِي وُجُوبِ الِاسْتِقَاءَةِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا.

وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبَا الشَّامِلِ، وَالْمُسْتَظْهَرَيْ. وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ فِي الشُّرْبِ، وَغَيْرِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ. اهــ.

وفي حاشية الصاوي عن وجوب تقيؤ ما استقر من النجاسة بالبطن: فَيَجِبُ عَلَيْهِ.. إلَخْ: هَذَا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ. وَقَالَ التُّونُسِيُّ: ذَلِكَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ لَغْوٌ، فَلَا يُؤْمَرُ بِتَقَايُؤٍ، وَلَا بِإِعَادَةٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. إنْ قُلْت: حِينَئِذٍ صَارَتْ الْمَعِدَةُ نَجِسَةً بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ. قُلْت: إنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَطْهِيرِ نَفْسِ الْمَعِدَةِ، فَأَمَرْنَاهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ التَّقَيُّؤِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْبَعْضِ وَجَبَ؛ لِأَنَّ تَقْلِيلَ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ. اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.

وَمَحَلُّ وُجُوبِ التَّقَايُؤِ الْمَذْكُورِ مُدَّةُ مَا يَرَى بَقَاءَ النَّجَاسَةِ فِي بَطْنِهِ يَقِينًا، أَوْ ظَنًّا، لَا شَكًّا؛ فَإِذَا كَانَتْ خَمْرًا، وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ مُدَّةَ مَا يُظَنُّ بَقَاؤُهَا خَمْرًا، فَإِنْ تَحَوَّلَتْ لِلْعَذِرَةِ، فَهِيَ بِمَثَابَتِهَا. اهــ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني