الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سحب الزوج بطاقة زوجته وتهديدها بالطلاق لو أرسلت لوالدها

السؤال

قطعة أرض كان والدي متنازعًا عليها في المحكمة، اشتراها زوجي بعد أن اتفق مع والدي على إسقاط الدعوى لتعمّ الفائدة، ولم يسقط والدي الدعوى؛ مما أدى إلى عدم قدرة زوجي على تسجيل الأرض باسمه، وكان قد اقترض مبلغًا كبيرًا من البنك، لا زال يسدده.
أنا أعمل في وظيفة جيدة -الحمد لله-، وأساعد زوجي، وكنت أرسل لوالدي مبلغًا شهريًّا من المال، وبعد المشكلة بين زوجي ووالدي قام زوجي بأخذ بطاقة البنك مني، وبمنعي من إرسال المال لوالدي، ويرفض أيَّ نقاش في الأمر، مهددًا بطلاقي إن أرسلت أيَّ مال، وحجته أن ما يدفع الآن من قيمة البيت المتنازع عليه، ويستفيد منه والدي، يجب أن يعدّ مغنيًا عن أيِّ مصاريف، وإن لم يطلقني، فسيجبرني على ترك العمل، ووالدي الآن يصفني بالبخل والعقوق، وأني مستكينة لزوجي، ويطالبني بإرسال المبلغ الشهريِّ، بالإضافة إلى جميع الأشهر التي لم أرسل فيها، حتى ولو استدعى الأمر أن أشكو زوجي في المحكمة لأخذ مالي منه.
مع العلم أن لوالدي ستة أبناء غيري، منهم ولدان متخرجان من الجامعة يساعدان، ولكن مرتباتهم بسيطة، وأربع بنات تخرجن، وما زلن يبحثن عن عمل، ولي ثلاثة أبناء صغار، وأعلم أن راتب زوجي بعد خصم قسط القرض لن يكفي إن تركت العمل؛ لهذا أصبر، فهل هذا عقوق؟ وطلاقي أو جلوسي عن العمل سيؤذيني وعيالي، ولن يجلب لوالدي أي نفع، فلو طُلّقت أو جلست عن العمل؛ لأحرم زوجي من المرتب، فهل يعد ذلك من البر بوالدي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد قرر أهل العلم أن المرأة لها ذمتها المالية المستقلة، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: للزوجة الأهلية الكاملة، والذمة المالية المستقلة التامة، ولها الحق المطلق في إطار أحكام الشرع بما تكسبه من عملها، ولها ثرواتها الخاصة، ولها حق التملك، وحق التصرف بما تملك، ولا سلطان للزوج على مالها، ولا تحتاج لإذن الزوج في التملك، والتصرف بمالها. اهـ.

فلا يجوز لزوجك أخذ البطاقة، ومنعك من التصرف في مالك، ومساعدة والدك.

وتهديده إياك بالطلاق، أو منعك من العمل، إن أرسلت شيئًا من المال لوالدك؛ أمر لا ينبغي.

وإذا كان والدك فقيرًا، فنفقته واجبة عليك، وعلى بقية أولاده، كل حسب يساره، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما، ولا مال واجبة في مال الولد. اهـ.

وقد أباح الشرع للوالد أن يأخذ من مال ولده ما يحتاج إليه، بل ذهب الحنابلة إلى أنه يجوز للوالد أن يأخذ من ماله، ولو لم يكن محتاجًا، ولكن هذا بشرط ألّا يضرّ بولده، قال ابن قدامة في المغني: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها، صغيرًا كان الولد أو كبيرًا، بشرطين:

أحدهما: ألّا يجحف بالابن، ولا يضرّ به، ولا يأخذ شيئًا تعلقت به حاجته.

الثاني: ألّا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر... اهـ.

فتحصل من هذا؛ أن الإعطاء للوالد أمر واجب بالضوابط المذكورة.

فنصيحتنا لك أن تحاوري زوجك في ضوء ما ذكرنا، وتحاولي إقناعه: فإن اقتنع، فالحمد لله، وإن أصرَّ على الرفض، ولم يكن هنالك سبيل لدفع النفقة لأبيك، فلا إثم عليك في ذلك، فالتكليف منوط بالاستطاعة، وقد قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.

ولو أمكن أن تجدي سبيلا لإيصالها إليه من غير أن يعلم زوجك، وجب عليك دفعها إليه؛ لتجمعي بين المصلحتين.

وننصح زوجك بأن يتقي الله في نفسه، ويحلّ مشكلته مع والدك بعيدًا عن إقحامك في مشكلته، وليوسط أهل الخير، وله رفع الأمر للمحكمة، إن شاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني