الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعاء المرأة بالرجوع لزوجها الذي طلّقها فجأة هل يتنافى مع الرضى بالقدر؟

السؤال

أنا امرأة متزوجة، ولديّ طفلة من زوجي، ومرتاحة في حياتي.
حصل خلاف مع زوجي، وحللت الموضوع معه، وفي يوم من الأيام أنزلني في بيت أهلي بعدما وعدني بأمور تمنيتها، وقام بتطليقي وإرسال ورقتي دون مقدمات، وقد تدخّل أهلي وأهله، واشتعلت بينهم جدًّا، وتقاطعوا، فلو دعوت الله سبحانه وتعالى أن يجمع شمل عائلتي، فهل يعدّ ذلك من الاعتراض على قضائه وقدره؟ وهل الدعاء بالرجوع للزوج من الدعاء الذي يردّ القضاء؟ وهل الطلاق هكذا جائز؛ لأنني فجعت؟ وهل يدخل تحت ترويع المسلم؟
ولو دعوت الله أن يصلح حالي بعدما تعقّد بين أهل الأرض -ولا سبيل إلا هو أن يصلح حالي وحاله، ويسخّره لي، ولطفلتي؛ للرجوع لمنزلنا-، فهل سيستجيب الله لي؟ وهل يعدّ هذا اعتراضًا؟ وشكرًا لجهودكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن من أهمّ ما شرع له الدعاء رفع البلاء، فالله عز وجل أخبر في كتابه أنه يجيب دعوة المضطر، ويكشف الضر؛ قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.

والدعاء لا يتنافى مع القدر، بل هو نفسه من القدر، والمسلم عليه أن يدافع أقدار الله بأقداره، ففي سنن ابن ماجه عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القدر إلا الدعاء. وفي رواية الترمذي عن سلمان -رضي الله عنه- بلفظ: لا يرد القضاء إلا الدعاء.

فالدعاء إذن لا ينافي الرضى بالقدر، ودعاؤك بأن يصلح الله الحال، يستجاب بإذن الله رب الأرباب.

ولا يعد هذا الدعاء اعتراضًا على الله، فهو الآمر به سبحانه، حيث قال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، فأمر بالدعاء، ووعد بالإجابة.

ونحن لا ندري ما الذي حمل زوجك على تطليقك، ولكن أهل العلم ذكروا أن الطلاق يكره لغير حاجة، واختار بعضهم حرمته في هذه الحالة، قال ابن قدامة في المغني، وهو يبين أحكام الطلاق: الطلاق على خمسة أضرب:

واجب وهو: طلاق المولي بعد التربص، إذا أبى الفيئة.

ومكروه وهو: الطلاق من غير حاجة إليه. وقال القاضي: فيه روايتان: إحداهما: أنه محرم؛ لأنه ضرر بنفسه، وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حرامًا، كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. والثانية: أنه مباح... اهـ.

وكان ينبغي لزوجك أن يراعي مشاعرك، خاصة وأنه قد وعدك ببعض الأماني، فكيف يجعل بدلًا منها التطليق!؟ فهذا فيه نوع من الترويع بسبب المفاجأة.

وننصح بالسعي في الإصلاح، والرجعة، إن لم تكن هذه الطلقة الثالثة.

فإن تم ذلك، فالحمد لله، وإن لم يتم، فقد يكون فيما قضى الله عز وجل خيرًا لك، فقد قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}، قال القرطبي في تفسيره: أي: وإن لم يصطلحا بل تفرّقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقرّ بها عينه، وللمرأة من يوسّع عليها. اهـ.

وروى أحمد في مسنده عن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عجبت للمؤمن، إن الله لم يقضِ قضاء، إلا كان خيرًا له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني