الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الزوج من أمّه التي تفتري على زوجته

السؤال

ظُلِمت من أمّ زوجي كثيرًا، وافترت عليَّ بالسوء، وقذفتني بالسبّ في عرضي بالباطل، وتكلّمت مع زوجي، وإخوته، وزوجة أخيه في ذلك الأمر، ووصل الكلام لي، ونظرًا لسفر زوجي كانت تأتي لمنزلي، وتبحث عن رجل عندي، ولا تواجهني بأيِّ كلام تتكلمه عني.
وعندما أردت مواجهتها أمرني زوجي بالانتظار حتى نزوله إجازة؛ ليتكلم معها، ولما نزل لم يتكلم في شيء، وكأن شيئًا لم يحدث، وعندما أردت مواجهتهم جميعًا لأردّ الغيبة عني مع من تكلمت معهم في عرضي رفضوا؛ لأنهم لا يريدون مشاكل معها، وطلب مني زوجي مسامحتها، ولكني لا أستطيع، فأنا لم أجد منه ما يطيب خاطري بالدفاع عني، وعن عِرضي.
وعندما جاءت للبيت، قالت لي: أنا لم أقل شيئًا مما وصلك، وسكتت، ولم تعترف بذمّها لي، وهتك عِرضي، على الرغم من أنها ذكرت ذلك لزوجي، وهو أرسل لي صورة لكلامها معه لمواجهتي، وأنكرت كل الكلام الآخر مع زوجة ابنها وأولادها، ولم تعتذر لي، وغير ذلك الكثير من المواقف التي تقصد بها شحن النفوس بيني وبين زوجي، لكني اختصرتها
أنا لا أحسّ بالأمان لها نهائيًّا، ولا أستطيع مسامحتها على ما فعلته بي؛ لأنها لا تندم نهائيًّا على أخطائها، وسوء ظنها، ولا تعترف به، فهل عليَّ إثم في ذلك؟ واختصرت مواقف أولادها وزوجة ابنها؛ لأنهم لم يقولوا كلمة حق، ولم يشهدوا به؛ مرضاة لها، وتجنبًا للمشاكل معها، وأنا تعبت نفسيًّا بسببها، ومرت عليَّ أيام طويلة في البكاء، والمرض بسبب أذاها لي، وموقف زوجي السلبي؛ لأنه لا يريد إغضابها، فهل عليَّ إثم أو وزر في هذا التجنب؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت عن أمّ زوجك جملة من المنكرات، وذكرت أنها لم تواجهك بشيء من هذه الأمور، وإنما نقل لك عنها:

فإذا كان الأمر كذلك، فالأصل سلامتها من هذا الكلام المنسوب إليها؛ حتى يثبت العكس، خاصة وأنها قد أنكرت، والأصل أن يحسن بها الظن، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ {الحجرات:12}.

وإن ثبت ذلك عنها - ولم يكن لها بينة في اتهاماتها لك -، فلا شك في أنها تكون قد جمعت بين الإساءة والظلم؛ فأذية المؤمنين، والافتراء عليهم من أعظم الذنوب، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}، وروى الترمذي في سننه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: يا معشر من قد أسلم بلسانه، ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه، ولو في جوف رحله.قال: ونظر ابن عمر يومًا إلى البيت، أو إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك، وأعظم حرمتك!، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.

وإن علم زوجك بما قالت، وثبت عنده أن الأمر مجرد افتراء وبهتان، فكان الواجب عليه نصحها، وردّ الأذى عنك، وكذلك الحال بالنسبة لمن سمع هذه الأقوال عنها، كأولادها، روى البخاري عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا، كيف أنصره؟ قال: تحجزه، أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره.

والإنكار على الوالدين مشروع، على أن يكون في حدود الأدب، وبما لا يوقع في العقوق، وراجعي الفتوى: 134356.

ومن يخشى شرّه وأذاه، يشرع ترك مخالطته اتقاء لشرّه، وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دِينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ.

لكن من تمام الإحسان إلى زوجك أن تحسني إلى أهله, وتتجاوزي عن هفواتهم، وراجعي الفتوى: 222388.

وبخصوص ما ذكرت من أنك لا تريدين مسامحتها، نقول: إن العفو عن الظالم أفضل من الانتصاف منه؛ فالعفو منزلته عظيمة، وثوابه جزيل، وانظري الفتوى: 27841.

وعليك بالاجتهاد في تناسي الأمر، والاستعانة بذكر الله عز وجل، والاستغفار، وتلاوة القرآن، وسائر الأذكار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني