الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اشتراط الزوجة عند العقد أن يكون الطلاق بيدها

السؤال

لديَّ سؤال بخصوص فتوى العصمة بيد المرأة، عندما تبدأ المرأة بقول: "زوّجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي، أطلّق نفسي كلما شئت"، هل تقولها أثناء وجود المأذون الشرعي؟ أم متى تقولها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرنا في عدة فتاوى أن اشتراط الزوجة عند العقد أن يكون الطلاق بيدها، شرط لا يصح عند أكثر الفقهاء؛ لأنه مخالف لمقتضى العقد، وذلك لأن الله سبحانه قال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء:34}.

والطلاق فرع عن جعل القوامة للرجل.

ومن ثم؛ فإن الطلاق في الأصل هو من حق الرجل، وهذا هو الذي يتفق مع الفطرة، فالرجل هو الراعي للأسرة، وبيده مفاتيح الحل والعقد، والرجل أقدر من المرأة -في الغالب- على ضبط عواطفه، وانفعالاته، وتحكيم عقله، وخاصة عندما تقع المشكلات بين الزوجين، ويثور الغضب بينهما.

ومذهب المالكية على أن المرأة لو شرطت عند النكاح أن أمرها بيدها متى أحبّت، فهذا العقد مفسوخ قبل الدخول وبعده، وقيل: مفسوخ إن لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها، ثبت النكاح بصداق المثل، وألغي الشرط، فلا يعمل به؛ لأنه شرط مخل، جاء في مواهب الجليل للحطاب المالكي: وقَالَ اللَّخْمِيُّ لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى أَقْسَامِ الشُّرُوطِ: السَّادِسُ: أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا يَأْتِيَهَا إلَّا نَهَارًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُؤْثِرَهَا عَلَى غَيْرِهَا، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُعْطِيَهَا الْوَلَدَ، أَوْ لَا نَفَقَةَ لَهَا، أَوْ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، فَهَذِهِ شُرُوطٌ لَا يَصِحُّ الْوَفَاءُ بِهَا، وَاخْتُلِفَ فِي النِّكَاحِ، فَقِيلَ: يُفْسَخُ قَبْلُ وَبَعْدُ، وَقِيلَ: يُفْسَخُ قَبْلُ، وَيَثْبُتُ بَعْدُ، وَيَمْضِي عَلَى سُنَّةِ النِّكَاحِ، وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ .انْتَهَى.

ومذهب الحنفية على جواز ذلك الشرط إذا ابتدأت به المرأة، فقالت: زوّجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي، أطلّق نفسي كلما شئت، فقال الزوج: قبلت. ويكون أمرها بيدها. أما لو بدأ الزوج فقال: تزوجتك على أن أمرك بيدك، فإنه يصح النكاح، ولا يكون أمرها بيدها؛ لأن التفويض وقع قبل الزواج، قال ابن عابدين الحنفي في رد المحتار على الدر المختار: وَإِنْ ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ، فَقَالَتْ: زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك عَلَى أَنِّي طَالِقٌ، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِيَدِي، أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا شِئْت، فَقَالَ الزَّوْجُ: قَبِلْت، جَازَ النِّكَاحُ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا؛ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ كَانَ الطَّلَاقُ وَالتَّفْوِيضُ قَبْلَ النِّكَاحِ، فَلَا يَصِحُّ. أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ الْمَرْأَةِ، يَصِيرُ التَّفْوِيضُ بَعْدَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا قَالَ بَعْدَ كَلَامِ الْمَرْأَةِ: قَبِلْت، وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ، صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: قَبِلْت عَلَى أَنَّك طَالِقٌ، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِيَدِك، فَيَصِيرُ مُفَوّضًا بَعْدَ النِّكَاحِ. اهـ.

فقد تبين لك من خلال النقل عن الحنفية المجيزين لتولي المرأة العقد الوقت الذي يفيدها فيه قولها: زوّجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي، أطلق نفسي كلما شئت.

مع العلم أن كتابة عقد النكاح عند المأذون، ليس من شروط صحة العقد شرعًا، لكن توثيق عقد الزواج ضرورة واقعية؛ لحفظ الحقوق. وانظري الفتوى: 349690.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني