الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام التصرف في المال الحرام المكتسب والربح الناشىء عنه

السؤال

هل لو معي مبلغ من المال، وهو مال حرام من قناتي على اليوتيوب، وفتحت شركة أو مصنع بهذا المال. هل ما أكسبه من الشركة يكون مالا حراما أيضا؟ أم أستطيع أن أكسب وعندما يكون لدي نفس القدر من المال أتصدق به، وأتوب إلى الله؟
وكذلك هل منْع الله عني الرزق (المال الحلال) مسوغ لكسبي المال الحرام؟
والمنع المقصود في السؤال: أبحث عن عمل مع دعائي أن يرزقني المال الحلال، وأن يجعلني أحصل على عمل، ولكن الله يستجيب لي في أشياء كثيرة إلا المال.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن بيده مال محرم لكسبه، فالواجب عليه التخلص منه بدفعه للفقراء والمساكين، ولا يأخذ هو منه لنفسه، إلا إذا كان فقيرا محتاجا، فله أن يأخذ بقدر حاجته.

وإذا كان صاحب حرفة، فيرى بعض أهل العلم أن له أن يشتري من ذلك المال الخبيث آلة يعمل عليها، ويتكسب منها حسب حرفته ومهارته.

قال النووي في المجموع: وَإِذَا دَفَعَهُ -المال الحرام- إلَى الْفَقِيرِ لَا يَكُونُ حَرَامًا عَلَى الْفَقِيرِ بَلْ يَكُونُ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا لِأَنَّ عِيَالَهُ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ فَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَوْلَى مَنْ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ لِأَنَّهُ أَيْضًا فَقِيرٌ. انتهى كلامه.

وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار ، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم ، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل ، أعطي ما يكون له رأس مال . وإن اقترضوا منه شيئا ليكتسبوا به ... كان أحسن. انتهى

وأما مسألة الأرباح الناتجة عن استثمار المال الحرام، فالذي وقفنا عليه من كلام أهل العلم هو ما إذا كان المال الحرام لمعين؛ كمن سرق مالا أو غصبه، واستثمره، وربح منه. فهل يكون الربح الناشئ عن استثمار المال المأخوذ تعديا بغير حق، هل يستحقه الآخذ، أم المأخوذ منه، أم يكون بينهما؟

وقد لخص شيخ الإسلام ابن تيمية أقوال العلماء في ذلك، ورجح كون الربح بينهما كما لو كانا مشتركين في شركة مضاربة. وانظر ذلك مفصلا في الفتوى: 57000 .

ولا يبعد أن يقال هنا أيضا أن يكون نصف الربح للفقراء، فيدفع مع رأس المال إليهم، ونصف الربح يكون لمن استثمر المال لجهده في ذلك.

وأما مسألة الدعاء بالرزق الحلال، وأن الله لم يستجب لك في هذا الأمر، فراجع نفسك، وخذ بأسباب الرزق الحلال وهي متوفرة، ولا يحملك استبطاء الرزق على طلبه بالمعصية. ولا عذر لك في هذا أمام الله -عز وجل- فليس لك أن تقول لم تعطني من حلال، فسرقت أو غصبت أو تعاملت فيما حرمت، فهذا من خداع الشيطان، فاحذر من خطواته، وابحث عن الحلال الطيب، وستجده إن شاء الله تعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني