الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل في طلاق الزوجة بعد النفور الشديد منها ظلم للأبناء؟

السؤال

أنا شاب عمري 36 سنة، متزوج منذ ست سنوات، ولديّ طفلان.
مشكلتي الأساسية بدأت بعد زواجي بستة أشهر، فبدأت أنفر من زوجتي تدريجيًّا، والمشكلة أننا لم نتفاهم على أبسط الأمور؛ وتلا ذلك مشاكل عائلية كبيرة، وصلت للطلاق مرتين، ثم كنت أتراجع بحكم الأطفال، وحبّي الشديد لهم، ولكن المشكلة أصبحت أعمق بعد خروجي من منزل والدي دون رضاهما، وكراء منزل بعد أن وصلت للطلاق مرة ثانية.
ولكن المشاكل أصبحت متواصلة بعد أن مررت بأمور مادية صعبة، ومع الإيجار، ولم تقتنع الزوجة بالرجوع لمنزل الوالد، والكفّ عن تحميلي ما لا طاقة لي به، لكن الأمور المادية تحلّ.
ومشكلتي أنني وصلت لدرجة الكره الذي لا يطاق لهذه المرأة، فلا أجامعها، ولا أتقرّب منها، وأعلم أن هذا حقّها، ولكن الأمور وصلت بي إلى تمني موتها، أو مرضها، أو قتلها؛ لأخذ أبنائي منها.
حياتي أصبحت كابوسًا لا يطاق، وحرمت نفسي من رغبتي الجنسية؛ لإسعاد وتربية أبنائي، ولكن الأمور وصلت إلى حد لا يطاق، فهل أطلّقها؟ وإذا طلقتها، فهل أعدّ ظالمًا لأبنائي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن الطلاق من أسهل ما يمكن أن يصير إليه الزوج، ولكن قد لا يستطيع أن يتحمل تبعاته، وخاصة فيما يتعلق بضياع الأبناء.

ولأجل آثاره السيئة ذهب أهل العلم إلى كراهته لغير حاجة، بل ومنهم من اختار تحريمه، بل هنالك من ذهب إلى أن الأصل تحريمه، قال ابن قدامة في المغني، وهو يعدد أحكام الطلاق: ومكروه، وهو: الطلاق من غير حاجة إليه. وقال القاضي: فيه روايتان: إحداهما: أنه محرم؛ لأنه ضرر بنفسه، وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه؛ فكان حرامًا، كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر، ولا ضرار». وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة. اهـ.

وقد أحسنت أن راعيت جانب أولادك، ومستقبلهم، فأنت على صواب في ذلك، فلا تلجأ للطلاق، ما أمكنك، بل ندعوك إلى الاجتهاد في التفاهم مع زوجتك، والسعي للإصلاح، بحضور بعض العقلاء من أهلك وأهلها.

وفيما يتعلق بالمسكن: فلا يلزم زوجتك أن تسكن مع أهلك، بل المسكن المستقل حقّ لها.

ويكفي أن توفّر لها هذا المسكن في جزء من بيت العائلة مستقل بمرافقه، وانظر الفتوى: 66191.

فإذا تيسر هذا المسكن، لم يكن لها الامتناع عن السكنى فيه، وإلا كانت ناشزًا، والنشوز له علاجه الذي بينه ربّ العالمين في كتابه، وراجع فيه الفتوى: 1103.

ولا يجوز أن يكون مجرد كرهك لها حاملًا لك على ظلمها، وعدم إعطائها حقوقها، هذا بالإضافة إلى أن هذا الكره لا يلزم منه المصير للطلاق، فلا تلجأ إليه حتى يتبين لك رجحان مصلحته، فيكون حينئذ سائغًا، قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة، مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.

ولو قدر أن وقع الطلاق، فليس في طلاقها ظلم للأبناء، ولكن ينبغي الحذر من أن يكون فراقكما مؤثرًا على نشأتهم، أو أن يحصل تنازع بينكما في الحضانة ينعكس سلبًا على حياتهم، كما قد يحدث من كثير من الأزواج.

وننبه إلى أنه لا تجب طاعة الوالدين إن منعا ولدهما من الاستقلال بالسكنى مع أهله، فطاعة الوالدين لا تجب بإطلاق، ولكنها مقيدة بما فيه مصلحة لهما، ولا ضرر على الولد، كما بيناه في فتوانا: 76303.

وإذا استقلّ الولد بالسكن، فعليه أن يرعاهما، إن احتاجا للرعاية، وأن يتعاهدهما بالصلة بالزيارة، ونحوها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني