الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التسليم بالإشارة دون التلفظ بالسلام... رؤية شرعية

السؤال

ما حكم التسليم بالإشارة دون التلفظ بكلمة السلام عليكم، وخاصة وأنا أقود السيارة فهل في هذا شيء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد جاء النهي عن السلام بالإشارة في حديث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف .أخرجه الترمذي وضعفه.
وفي السنن الكبرى عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى، فإن تسليمهم بالأكف والرؤوس والإشارة. وقال الإمام أحمد -كما في العلل لابنه عبدالله-: حديث منكر أنكره جدا.
وقد حسن الألباني هذين الحديثين .
وهذا النهي للكراهة التنزيهية عند جمع من الأئمة؛ كما بوب عليه النسائي، فقال: كراهية التسليم بالأكف والرؤوس والإشارة، والنووي في الأذكار، ونص بعض الفقهاء الشافعية على أنه خلاف الأولى.

بينما حمله بعض المعاصرين -كابن باز وابن عثيمين- على التحريم، على ما يأتي من النقل عنهما في ذلك.

ومحل هذا النهي هو عند الاقتصار على التسليم بالإشارة دون التلفظ بالسلام، وأما الجمع بين اللفظ والإشارة فليس منهيا عنه، بل فضله بعض الفقهاء على السلام باللفظ المجرد عن الإشارة، وهو أيضا واجب عند الرد على الأصم -إن لم يفهم التسليم باللفظ من حركة شفاه المسلِّم-.

وكذلك إذا كانت هناك حاجة للإشارة بالسلام دون التلفظ فلا نهي حينئذ، كرد المصلي السلام إشارة على من يسلم عليه؛ لثبوت رد النبي صلى الله عيله وسلم السلام بالإشارة وهو يصلي. وكتسليم الأخرس ورده.

قال النووي في الأذكار: (باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ) وذكر حديث عمر بن شعيب ثم قال: وأما الحديث الذي رويناه في كتاب الترمذي عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما، وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم. قال الترمذي: حديث حسن، فهذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين اللفظ والإشارة، يدل على هذا أن أبا داود روى هذا الحديث، وقال في روايته: فسلم علينا. اهـ.
وفي أسنى المطالب في شرح روض الطالب: (ويجب الجمع بين اللفظ والإشارة على من رد) السلام (على أصم) ليحصل به الإفهام ويسقط عنه فرض الجواب (ومن سلم عليه) أي الأصم (جمع بينهما) أيضا ليحصل به الإفهام ويستحق الجواب، وقضية التعليل أنه إن علم أنه فهم ذلك بقرينة الحال والنظر إلى فمه لم تجب الإشارة وهو ما بحثه الأذرعي. (وتجزئ إشارة الأخرس ابتداء وردا) ؛ لأن إشارته به قائمة مقام العبارة.

وفيه: (والإشارة به) بيد أو نحوها بلا لفظ (خلاف الأولى) للنهي عنه في خبر الترمذي ولا يجب لها رد. (والجمع بينها وبين اللفظ أفضل) من الاقتصار على اللفظ، وعليه يحمل خبر «أنه - صلى الله عليه وسلم - ألوى بيده بالتسليم» رواه الترمذي وحسنه، ويدل له أن أبا داود رواه وقال في رواية: فسلم علينا. اهـ.
وقال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ من لقيه بالسلام، وإذا سلم عليه أحد، رد عليه مثل تحيته أو أفضل منها على الفور من غير تأخير، إلا لعذر مثل حالة الصلاة، وحالة قضاء الحاجة. وكان يسمع المسلم رده عليه، ولم يكن يرد بيده ولا رأسه ولا أصبعه إلا في الصلاة، فإنه كان يرد على من سلم عليه إشارة، ثبت ذلك عنه في عدة أحاديث، وقال جابر: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة ثم أدركته وهو يصلي، فسلمت عليه فأشار إلي» . ذكره مسلم في صحيحه. وقال أنس رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير في الصلاة»، ذكره الإمام أحمد رحمه الله. وقال صهيب: «مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه فرد إشارة». قال الراوي: لا أعلمه قال: إلا إشارة بأصبعه، وهو في " السنن " و " المسند ". وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فيه، قال: فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو في الصلاة، فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا، وبسط جعفر بن عون كفه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق» ، وهو في " السنن " و " المسند " وصححه الترمذي، ولفظه: كان يشير بيده. ولم يجيء عنه ما يعارضها إلا بشيء باطل لا يصح عنه، كحديث يرويه أبو غطفان رجل مجهول، عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم «من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد صلاته» قال الدارقطني: قال لنا ابن أبي داود: أبو غطفان هذا رجل مجهول. اهـ. بتصرف. من زاد المعاد.

وقال ابن باز: لا يجوز السلام بالإشارة، وإنما السنة السلام بالكلام بدءا وردا. أما السلام بالإشارة فلا يجوز؛ لأنه تشبه ببعض الكفرة في ذلك؛ ولأنه خلاف ما شرعه الله، لكن لو أشار بيده إلى المسلم عليه ليفهمه السلام لبعده مع تكلمه بالسلام فلا حرج في ذلك؛ لأنه قد ورد ما يدل عليه، وهكذا لو كان المسلم عليه مشغولا بالصلاة فإنه يرد بالإشارة، كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ. مجموع فتاواه.

وقال ابن عثيمين: لا يجوز أن يقتصر الإنسان على الإشارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولكن إذا كان الإنسان بعيداً أو كان أصم فاجمع بين الإشارة والعبارة، وأما أن تقتصر على الإشارة فلا، فهنا ثلاث حالات:

الأولى: أن تقتصر على الإشارة فقط، فهذا لا يجوز.
الثانية: العبارة فقط، وهذا جائز وهو الأصل.
الثالث: أن تجمع بين الإشارة والعبارة وهذا إذا كان هناك سبب، ككون الإنسان بعيداً، أو كونه لا يسمع الجمع بين الإشارة والعبارة. اهـ. لقاء الباب المفتوح.

فالخلاصة: أن المشروع لمن أراد أن يسلم على البعيد -كمن يقود السيارة ونحوها- هو أن يجمع بين التسليم بالإشارة واللفظ، وأما التسليم بالإشارة دون التلفظ فهو مكروه تنزيها، إلا للأخرس، أو المصلي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني