الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفعال الله تعالى غير مخلوقة وما نشأ عن تلك الأفعال مخلوق

السؤال

قال إمام مسجدنا: إن أفعال الله غير مخلوقة، ولا أحد يؤثر في أفعال الله تأثيرًا مسببًا، إنما يؤثرون تأثيرًا سببيًّا. فأرجو بعد الرد على سؤالي توضيح عقيدة أهل السنة في أفعال الله، وهل يؤثر العباد في أفعال الله؛ سواء كان سببيًّا أم لا؟ لأنه قد انتشر هذا الاعتقاد في قريتنا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأفعال الله تعالى غير مخلوقة، بل هي صفات له سبحانه جلّ اسمه، وإنما المخلوق ما نشأ عن هذه الأفعال، وهو مفعولاته تبارك وتعالى، قال البخاري في صحيحه: بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنَ الخَلاَئِقِ، وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَأَمْرُهُ، فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِن وَفِعْلِهِ، وَأَمْرِهِ، وَكَلاَمِهِ، وَهُوَ الخَالِقُ المُكَوِّنُ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ، وَأَمْرِهِ، وَتَخْلِيقِهِ، وَتَكْوِينِهِ، فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ. اهـ.

قال شارحه ابن حجر: وَسِيَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَا يَنْشَأُ عَنِ الْفِعْلِ، فَالْأَوَّلُ مِنْ صِفَةِ الْفَاعِلِ، وَالْبَارِي غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَصِفَاتُهُ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ.

وَأَمَّا مَفْعُولُهُ، وَهُوَ مَا يَنْشَأُ عَنْ فِعْلِهِ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ، وَمِنْ ثَمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ، وَأَمْرِهِ، وَتَخْلِيقِهِ، وَتَكْوِينِهِ، فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ هُنَا الْمَأْمُورُ بِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالله غَالب على أمْرَهْ. إِنْ قُلْنَا: الضَّمِيرَ لِلَّهِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا، وبِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَفِيهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ. انتهى. وانظر الفتوى: 187287.

ثم إن العباد وأفعالهم مخلوقون لله تعالى، وجميع أفعال العباد صادرة بإرادة الله تعالى، وخلقه، وتقديره، ومع ذا فهم مسؤولون عن أفعالهم لما خلق الله لهم من المشيئة، والإرادة التي تقع بها أفعالهم، فالعبد مصلّ صائم على الحقيقة، والله هو خالقه وخالق فعله على الحقيقة كذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني