الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأخذ برخص الفقهاء عند الحاجة

السؤال

ما المقصود بالأخذ بالرخصة للحاجة؟ وهل الحاجة دينية، أم دنيوية، أم الاثنان معًا؟ وإذا أخذ شخص ما بقول أبي حنيفة في الزواج دون ولي، فهل يعدّ ذلك حاجة؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالرخصة في الاصطلاح الشرعي يراد بها: ما شرع على خلاف الأصل؛ دفعًا للحرج.

لكن الظاهر من سؤالك -والله أعلم- أنّك تقصد الأخذ برخص الفقهاء عند الحاجة، والمقصود بها: عمل المكلّف بقول من أقوال الفقهاء فيه تخفيف عليه، ودفع للمشقة، عند الحاجة.

والمقصود بالحاجة عند الأصوليين مرتبة بين الضروريّ والتحسينيّ؛ تحصل بها التوسعة، ورفع الضيق عن المكلّف، قال الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات: وَأَمَّا الْحَاجِيَّاتُ، فَمَعْنَاهَا أَنَّهَا مُفْتَقَرٌ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ التَّوْسِعَةِ، وَرَفْعِ الضِّيق، الْمُؤَدِّي فِي الْغَالِبِ إِلَى الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ اللَّاحِقَةِ بِفَوْتِ الْمَطْلُوبِ. انتهى.

والحاجة تشمل المصلحة الدينية، والدنيوية، جاء في الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: فقوله: «ومن استمنى بيده بغير حاجة، عزر» أي: من حاول إخراج المني حتى خرج بيده، سواء كان ذكرًا أو امرأة.

وقوله: «بغير حاجة» أي: من غير حاجة إلى ذلك، والحاجة نوعان:

أولًا: حاجة دينية.

ثانيًا: حاجة بدنية.

أما الحاجة الدينية، فهو: أن يخشى الإنسان على نفسه من الزنى، بأن يكون في بلد يتمكن من الزنى بسهولة، فإذا اشتدّت به الشهوة، فإما أن يطفئها بهذا الفعل، وإما أن يذهب إلى أي مكان من دور البغايا ويزني، فنقول له: هذه حاجة شرعية؛ لأن القاعدة المقررة في الشرع أنه يجب أن ندفع أعلى المفسدتين بأدناهما، وهذا هو العقل؛ فإذا كان هذا الإنسان لا بدّ أن يأتي شهوته، فإما هذا، وإما هذا، فإنا نقول حينئذ: يباح له هذا الفعل للضرورة.

أما الحاجة البدنية، فأن يخشى الإنسان على بدنه من الضرر إذا لم يخرج هذا الفائض الذي عنده؛ لأن بعض الناس قد يكون قويّ الشهوة، فإذا لم يخرج هذا الفائض الذي عنده، فإنه يحصل به تعقّد في نفسه، ويكره أن يعاشر الناس، وأن يجلس معهم.

فإذا كان يخشى على نفسه من الضرر، فإنه يجوز له أن يفعل هذا الفعل؛ لأنها حاجة بدنية. اهـ.

وعليه؛ فالأخذ بقول أبي حنيفة -رحمه الله- في زواج المرأة الرشيدة دون وليّ، يسوغ عند الحاجة، بالشروط والضوابط التي جاءت في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 74 /1 /د8، حيث جاء فيه: والأخذ برخص الفقهاء، بمعنى: اتباع ما هو أخفّ من أقوالهم، جائز شرعًا بالضوابط الآتية:

- لا يجوز الأخذ برخص المذاهب الفقهية لمجرد الهوى؛ لأن ذلك يؤدّي إلى التحلّل من التكليف، وإنما يجوز الأخذ بالرخص بمراعاة الضوابط التالية:

أ- أن تكون أقوال الفقهاء التي يترخص بها معتبرة شرعًا، ولم توصف بأنها من شواذ الأقوال.

ب- أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرخصة، دفعًا للمشقة، سواء أكانت حاجة عامة للمجتمع، أم خاصة، أم فردية.

ج - أن يكون الآخذ بالرخص ذا قدرة على الاختيار، أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك.

د- ألا يترتب على الأخذ بالرخص الوقوع في التلفيق الممنوع، الآتي بيانه في (البند:6).

هـ- ألا يكون الأخذ بذلك القول ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع.

و- أن تطمئن نفس المترخص للأخذ بالرخصة.

5- حقيقة التلفيق في تقليد المذاهب هي: أن يأتي المقلّد في مسألة واحدة ذات فرعين مترابطين فأكثر، بكيفية لا يقول بها مجتهد ممن قلّدهم في تلك المسألة.

6- يكون التلفيق ممنوعًا في الأحوال التالية:

أ- إذا أدّى إلى الأخذ بالرخص لمجرد الهوى، أو الإخلال بأحد الضوابط المبينة في مسألة الأخذ بالرخص.

ب- إذا أدّى إلى نقض حكم القضاء.

ج- إذا أدّى إلى نقض ما عمل به تقليدًا في واقعة واحدة.

د- إذا أدّى إلى مخالفة الإجماع، أو ما يستلزمه.

هـ- إذا أدّى إلى حالة مركبة لا يقرّها أحد من المجتهدين.

والله أعلم …انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني