الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل رفع الصوت فوق صوت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كفر؟

السؤال

هل رفع الصوت فوق صوت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كفر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ {الحجرات:2}.

وليس ذلك الفعل بمجرده كفرًا، وإنما يكون كفرًا إذا دلّ على استخفاف بالنبيّ، واستهزاء به، وانتهاك لحرمته.

وإنما نهوا عن ذلك سدًّا لذريعة هذا المنكر الشنيع؛ ولئلا يفضي بهم التساهل في هذا الباب إلى ما يخشى منه الكفر -والعياذ بالله-، قال العلامة الطاهر ابن عاشور -رحمه الله-: وَظَاهِرُ الْآيَةِ التَّحْذِيرُ مِنْ حَبْطِ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ مِنْ صِيغِ الْعُمُومِ، وَلَا يَكُونُ حَبْطُ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ إِلَّا فِي حَالَةِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالِ الْإِيمَانَ.

فَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ عَدَمَ الِاحْتِرَازِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ مَعَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذَا النَّهْيِ، قَدْ يُفْضِي بِفَاعِلِهِ إِلَى إِثْمٍ عَظِيمٍ، يَأْتِي عَلَى عَظِيمٍ مِنْ صَالِحَاتِهِ، أَوْ يُفْضِي بِهِ إِلَى الْكُفْرِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَيْ: يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا إِلَى الْوَحْشَةِ فِي نُفُوسِكُمْ، فَلَا تَزَالُ مُعْتَقَدَاتُكُمْ تَتَدَرَّجُ الْقَهْقَرَى؛ حَتَّى يؤول ذَلِكَ إِلَى الْكُفْرِ، فَحَبْطِ الْأَعْمَالِ.

وَأَقُولُ: لِأَنَّ عَدَمَ الِانْتِهَاءِ عَنْ سُوءِ الْأَدَبِ مَعَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُعَوِّدُ النَّفْسَ بِالِاسْتِرْسَالِ فِيهِ، فَلَا تَزَالُ تَزْدَادُ مِنْهُ، وَينْقص توفير الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّفْسِ، وتتولى من سيّئ إِلَى أَشَدَّ مِنْهُ؛ حَتَّى يؤول إِلَى عَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِالتَّأَدُّبِ مَعَهُ، وَذَلِكَ كُفْرٌ.

وَهَذَا مَعْنَى: وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَقل من سيّىء إِلَى أَسْوَأَ، لَا يَشْعُرُ بِأَنَّهُ آخِذٌ فِي التَّمَلِّي مِنَ السُّوءِ؛ بِحُكْمِ التَّعَوُّدِ بِالشَّيْءِ قَلِيلًا قَلِيلًا؛ حَتَّى تَغْمُرَهُ الْمَعَاصِي، وَرُبَّمَا كَانَ آخِرُهَا الْكُفْرَ؛ حِينَ تَضْرَى النَّفْسُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ حَبْطُ بَعْضِ الْأَعْمَالِ، عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ مُرَادٌ بِهِ الْخُصُوصُ؛ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: حُصُولَ حَطِيطَةٍ فِي أَعْمَالِهِمْ بِغَلَبَةِ عِظَمِ ذَنْبِ جَهْرِهِمْ لَهُ بِالْقَوْلِ، وَهَذَا مُجْمَلٌ، لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْحَبْطِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. انتهى.

وفي البحر لأبي حيان: وَلَمْ يَكُنِ الرَّفْعُ وَالْجَهْرُ إِلَّا مَا كَانَ فِي طِبَاعِهِمْ، لَا أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِذَلِكَ الِاسْتِخْفَافُ وَالِاسْتِعْلَاءُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ كُفْرًا، وَالْمُخَاطَبُونَ مُؤْمِنُونَ. انتهى.

فعلم بهذا ما قررناه من المعنى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني