الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرضا عند نزول المصائب من أفضل العبادات

السؤال

أنا من مصر، وأعمل في السعودية، وعمري 57 سنة، أحمد لله على حياتي، وكنت أحسّ أن الله سيختبرني في شيءٍ ما مع النعمة التي أكرمني الله بها، وحدث ذلك فعلًا، فقد تعرض أولادي لحادث سيارة، وعمل ابني عملية لتثبيت الفقرة الأخيرة من العنق، والثاني المتسبب في الحادث تعرض لعقوبة السجن شهرًا، مع قيامي بدفع تعويضات للمصابين، ومع ذلك كنت أحس براحة نفسية كبيرة.
صحيح أني كنت أبكي عليهما، ولكني كنت واثقًا أن ربي سوف ينجيهم؛ مما جعلني أتقرب إلى الله بصلاة التهجد، والصدقة أكثر من الأول.
وتعرضت والدتي الآن لحالة عمى، وبنت أختي للطلاق، وأنا حزين، ولكني أشعر بحالة من الرضا الداخلي، وأخشى على نفسي ألا أكون حزينًا، أو غير مبالٍ بما حدث، فما هو توصيف حالتي النفسية؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا الرضا، وهذه السكينة والطمأنينة التي أنزلها الله على قلبك؛ نعمة عظيمة من الله تعالى؛ فالرضا من أفضل العبادات، ومن أعلى المقامات، وهو ثمرة الإيمان بالله، والتوكل عليه، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن: 11}، قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنّها من عند الله، فيرضى ويسلّم. انتهى من تفسير ابن كثير.
وهو من أعظم أسباب سعادة العبد في الدنيا والآخرة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوًما ابتلاهم، فمن رضي، فله الرضا، ومن سخط، فله السخط. رواه الترمذي.

قال الطيبي في شرح المشكاة: وقوله: (فمن رضي، فله الرضا) شرط وجزاء، فهم منه أن رضا الله تعالى مسبوق برضا العبد، ومحال أن يرضى العبد عن الله إلا بعد رضا الله عنه، كما قال: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} ومحال أن يحصل رضا الله، ولا يحصل رضا العبد في الآخرة. انتهى.

وقال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: فمن وصل إلى هذه الدرجة، كان عيشه كله في نعيم وسرور، قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97]، قال بعض السلف: الحياة الطيبة: هي الرضا، والقناعة. وقال عبد الواحد بن زيد: الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين. انتهى.

فأبشر خيرًا، واشكر الله قلبًا، وعملًا، ولسانًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني