الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القدر الواجب في نفقة الأب لعلاج ولده

السؤال

عندي ابن مريض مرضا مزمنا، وقد مات لي أبناء بسبب هذا المرض. وعلاجه شهريا يتعدى 20 ألف جنيه، وأنا فقير، وعندي أبناء.
فهل يجوز بيع قطعة أرض عندي، أم تبقى له ولإخوته؟ وهل أكون بذلك قد ظلمته؟ وإذا بعتها أكون قد ظلمت إخوته؟
أنا في حيرة، أفيدوني، أفادكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبداية ننبه على أن النفقة الواجبة للولد على والده يدخل فيها مداواته، من أجرة الطبيب، وثمن الدواء ونحو ذلك. وهكذا على كل قريب تجب عليه النفقة لقريبه.

قال الزركشي في خبايا الزوايا: لو مرض القريب، وجب أجرة الطبيب على قريبه. اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: ويجب له -أي للقريب- الأدم، كما يجب له القوت. ويجب له مؤنة خادم إن احتاجه مع كسوة وسكنى لائقين به، وأجرة طبيب وثمن أدوية. اهـ.
ويبقى السؤال المهم، وهو: إلى أي حد تجب هذه النفقة في العلاج، أو ما هو القدر الواجب لهذه النفقة؟

والجواب أن ذلك لا يبلغ أن يجتاح مال المنفق! بل بالمعروف أو بالقدر الذي لا يضر بالمنفق أو يرهقه.

قال الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه (المفصل في أحكام المرأة 10 / 235) في آخر بحث اشتمال نفقة الكفاية على أجرة الطبيب وثمن الأدوية: والراجح عندي شمول أجرة الطبيب وثمن الأدوية بنفقة القريب، ولكن بالقدر المعروف، وبقدر حال المنفق دون إرهاق له؛ لأن النفقة وجبت لسد حاجة المنفق عليه، والمريض يحتاج إلى مراجعة الطبيب وشراء الأدوية، فكان ذلك من حاجته المشروعة فتشملها النفقة، ولكن بالمعروف وبقدر ما يسعه حال المنفق. اهـ.
وعلق الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، في بحثه (حقوق الأطفال والمسنين) المنشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، على ذلك فقال: وهو ترجيح قيم، يصار إليه. اهـ.
وإذا كان كذلك، فلا يجب على السائل أن يبيع الأرض التي يمتلكها ليعالج ولده المريض، ولاسيما إذا كانت فائدة العلاج قليلة أو مظنونة.
وكما لا يجب عليه البيع، فكذلك لا يحرم عليه، فلو باع لينفق على علاج ولده، فلا حرج عليه؛ لأنه تصرف في ملكه في أمر مشروع وعمل من أعمال البر والإحسان.
ويبقى السؤال: أيهما أولى: أن يبيع الأرض، أو يبقيها لبقية أولاده؟ وجواب ذلك يختلف بحسب تفاصيل حال السائل وأسرته كلها، ومدى فائدة العلاج ومُدَّتِهِ؟

ولذلك فإننا نشير عليه باستشارة المقربين منه من أهل العلم والرأي، واستشارة الأطباء الثقات في مدى جدوى علاج ابنه. ثم يستخير الله تعالى فيما يفعل، ونسأل الله تعالى أن يوفقه لأرشد أمره وأن يعافيه في دينه ودنياه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني