الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يحرم من إجابة الدعاء من ينوي التخلص من المال الحرام؟

السؤال

هل من لديه مال حرام، لا يستخدمه في أي شيء، لا في مأكل، ولا مشرب، ولا شيء آخر. هل يحرم من إجابة الدعاء، مع أن لديه النية في إخراج المال الحرام في المستقبل القريب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد نهى الإسلام عن الكسب الحرام؛ لأنه شؤم وبلاء على صاحبه، وقد يكون سببا في غضب الجبار ودخول النار, فعن أبي أمامة الحارثي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: من اقتطع حق امرئ مسلمٍ بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرّم عليه الجنة. فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبًا من أراك. رواه مسلم في صحيحه.
وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للكسب. أخرجه أحمد والبيهقي .

وهذا غير مقيد بالأكل، فلا بد من الحذر من التجرؤ على كسب الحرام، ولو مع نية التخلص منه.

وأما مسألة استجابة الدعاء، فالنصوص ذكرت التلبس بالحرام أكلا، وشربا، ولباسا؛ كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون: 51]. وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة: 127]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟ رواه مسلم.

فهذا الحديث صريح في أن من غذي بالحرام بعيد أن يستجاب له، ما دام متلبسا لم يقلع ويتب، ولكن في معنى الاستفهام الاستبعادي ( أنَّى ) دليل على أنه -وإن كان غير مستحق للإجابة- إلا أن الله قد يستجيب دعاءه كرما منه، وجودا.

قال القرطبي في التفسير: وقوله عليه السلام [ فأنى يستجاب لذلك ] على جهة الاستبعاد أي أنه ليس أهلا لإجابة دعائه، لكن يجوز أن يستجيب الله له تفضلا ولطفا وكرما. انتهى وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» " مَعْنَاهُ: كَيْفَ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِبْعَادِ، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي اسْتِحَالَةِ الِاسْتِجَابَةِ، وَمَنْعِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّوَسُّعَ فِي الْحَرَامِ وَالتَّغَذِّيَ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَوَانِعِ الْإِجَابَةِ. انتهى

فمن كان عنده مال حرام فليبادر إلى التوبة إلى الله تعالى من حيازته أصلا، وليتخلص منه قبل أن يباغته الأجل، فبأي حق، ولأي مصلحة يحتفظ به عنده، وليحذر من التسويف في ذلك، فسوف جند من جنود إبليس، يقول ابن القيم -رحمه الله: وَالْجِدُّ هَاهُنَا هُوَ صِدْقُ الْعَمَلِ، وَإِخْلَاصُهُ مِنْ شَوَائِبِ الْفُتُورِ، وَوُعُودِ التَّسْوِيفِ وَالتَّهَاوُنِ، وَهُوَ تَحْتَ السِّينِ وَسَوْفَ، وَعَسَى، وَلَعَلَّ، فَهِيَ أَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى الْعَبْدِ، وَهِيَ شَجَرَةٌ ثَمَرُهَا الْخُسْرَانُ وَالنَّدَامَاتُ. انتهى.

فإن كان المال لأشخاص معينين ليبادر إلى تسليمه إليهم، وليطلبهم المسامحة في حبسه عنهم، وتعطيل انتفاعهم به. وإن كان المال لا يعرف له مالك بعينه، فليصرفه في أوجه الخير، ومصالح المسلمين العامة.

فإن فعل ما يجب عليه من التوبة، والسعي الجاد في التخلص منه، فنرجو أن لا يكون وجود ذلك المال عنده مانعا من استجابة دعائه، ما دام ساعيا جادا في التخلص منه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني