الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مراد الشيخ ابن باز في قوله تعالى: فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه...

السؤال

قرأت فتوى للشيخ ابن باز -رحمه الله- من موقعه على النت، تفيد بأن المنافقين الذين نزل فيهم قوله تعالى: فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه.
قال ابن باز إن هذا لا يمنع من قبول توبتهم إذا تابوا توبة صادقة. فما صحة هذا الأثر عن ابن باز؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما سألت عنه هو ثابت في الموقع الرسمي للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى.

وقد ورد فيه التالي: السؤال: من الآية رقم: 76 إلى الآية: 78 من سورة (التوبة)، إن أمكن تفسير مُركّز للآيات، وهل ينطبق ذلك على عبد قد عاهد الله على ترك معصية ما، وأغلظ في القول بأن يسخط الله ويغضب عليه إن هو عاد إليها؟ الجواب: الآيات المشار إليها، وهي قوله تعالى في حق المنافقين: فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ۝ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ۝ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ۝ [التوبة:76-78]، هي دالة على أن من عاهد الله أن يفعل شيئًا ثم أخلف عهده، أنه بذلك قد تخلق بأخلاق المنافقين، وأنه على خطر عظيم من أن يعاقب بالنفاق في قلبه؛ جزاء له على إخلافه الوعد وكذبه.
وهو سبحانه بذلك يحذر عباده من أخلاق المنافقين، ويحثهم سبحانه على الصدق والوفاء بالعهود، ويوضح لهم سبحانه أنه يعلم سرهم ونجواهم، ولا يخفى عليه شيء من شؤونهم.

وهذا لا يمنع التوبة؛ فمن تاب إلى الله سبحانه توبةً نصوحًا؛ تاب الله عليه من جميع الذنوب -سواء كانت كفرًا أو نفاقًا أو دونهما- كما قال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، وقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. وقد أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين.

وصح عن رسول الله ﷺ أنه قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له[1]، وصح أيضًا عنه ﷺ أنه قال: الإسلام يهدم ما كان قبله، والتوبة تهدم ما كان قبلها [2][3]. اهـ.

وليس مراد الشيخ ابن باز رحمه الله: أن من نزلت فيهم الآية يمكن لهم التوبة؛ بل أولئك قد حكم الله عليهم بالنفاق في قلوبهم إلى يوم يلقونه؛ كما أخبرنا بذلك، وإنما مراد الشيخ أن من كان مثل صفتهم في معاهدة الله على شيء ثم الإخلاف بالوفاء به، أو في أي صفة من صفات المنافقين، يمكن له أن يتوب إذا وفق لذلك، فباب التوبة مفتوح للمنافقين والمشركين والعصاة من المسلمين قبل أن يغلق؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، ولقوله سبحانه في شأن المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا. {النساء:145-146}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني