الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عرض أمر الزواج على الفتاة وموافقتها عليه ليس من الإيجاب والقبول في شيء

السؤال

كنت أتحدث مع فتاة عبر الفيسبوك؛ فأحببتها، وهي بنت بلدتي، وأصدقائي يعرفونها، وصديقاتها يعرفنني، وتحدثنا كثيرًا؛ حتى رغبت في الزواج منها، ولا أتذكر هل قلت لها: هل تريدين الزواج بي؟ وقالت: نعم، وربما قلت ذلك، لكني قد أكون قلت لها: أريد الزواج منك، بمعنى في المستقبل؛ فوافقت، فلو قلت لها عبر الرسائل في الفيس بوك: هل تريدين الزواج بي؟ وقالت: نعم أريد الزواج بك، أو نعم قبلت أن أتزوج بك، أو نعم وافقت، أو نعم قبلت الزواج بك، وقلت لها: أنت الآن زوجتي، ونادتني بزوجي، فهل هذا عقد نكاح، أم هو نكاح فاسد؟ فقد تكون تلك الفتاة أطلعت صديقاتها وأصدقاءها الذكور والإناث على تلك الرسائل التي دارت بيننا، وقد يكون بجانبها أشخاص يقرؤون الرسائل أثناء قولنا ذلك الكلام، ولا أتذكر هل كان بجانبي أصدقائي أم لا؟ وهل سبق أن أطلعت أحدًا على الرسائل التي دارت بيننا أم لا؟ ولنفترض أني أطلعت صديقين أو ثلاثة على الرسائل التي دارت بيننا، لكن ليس بصفتهم شهودًا على عقد الزواج، وإنما أردت أن أبيّن لهم حبنا ورغبة كل طرف في الآخر؛ لدرجة أنها قبلت الزواج بي، ولنفترض أنه كان بجانبي صديقان أو أكثر يقرؤون الرسائل، ولنفرض أنها أيضًا أطلعت أشخاصًا لا أعلم عددهم -قد يكونون ذكورًا وإناثًا على ما دار بيننا من رسائل-، والتي قد يكون فيها إيجاب وقبول، أو كان بجانبها أشخاص، فهل يقع عقد النكاح بذلك؟
كذلك كنت دائمًا أسميها زوجتي، وهي أيضًا؛ حتى أني طلبت منها أن تسميني على هاتفها بـ "زوجي"، وذات يوم كانت في الحي الجامعي مع صديقاتها -قد يكن أربعًا أو أكثر - وكانت خارج الغرفة، وتركت هاتفها في الغرفة، فاتصلت بها، فقرأ البنات في الشاشة "زوجي"، فدعونها: (تعالي، زوجك يتصل)، وهم يعلمون أنه أنا؛ لأنهنّ يعرفنني شخصيًّا، فهل هذا بمنزلة إشهار للنكاح؟ وهل يعتبرن شهودًا على النكاح، إن كان يقع بذلك؟ ولو تحدثنا عبر الهاتف بالصوت، وناديتها بزوجتي ونادتني بزوجي، وسمعنا شخص أو أكثر وعلموا أني المتحدث؛ لأنهم يعرفوني شخصيًّا، أو كان أصدقائي بجانبي وسمعوا، وهم يعلمون أنها تلك الفتاة التي أتحدث معها، وطلقتها خوفًا أن يكون ما وقع بيننا عقد، وتزوجت هي بشخص آخر، فهل تأثم؟ وهل يقع الطلاق ويحتسب؟ وهل يعد ذلك اعتقادًا مني بصحة العقد؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالزواج له شروطه التي لا يتم إلا بها، وسبق بيانها في الفتوى: 1766.

فلا يتم الزواج إلا بصيغة تتضمن الإيجاب والقبول بين وليّ الزوجة أو وكيله وبين الزوج أو وكيله، وسبق بيان كيفية الإيجاب والقبول في الفتوى: 80491.

وما تم بينك وبين هذه الفتاة مجرد عرض أمر الزواج عليها وموافقتها عليه، وليس هذا من الإيجاب والقبول في شيء.

ثم إن الوليّ شرط لصحة الزواج، كما سلف بيانه، وكذا الشهود، ويشترط فيهم حضورهم مجلس العقد، وسماعهم صيغة العقد، وراجع الفتوى: 131956.

وحاصل الأمر؛ أن ما كان ليس من الزواج في شيء.

ولا عبرة بكونك تناديها بزوجتي، وكونها تناديك بزوجي.

واعلم أن الزواج أمر شرعي، وشعيرة من شعائر الله، ومن دلائل قدرته في خلقه، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}، وقد سماه الله عز وجل ميثاقًا غليظًا، كما قال في محكم كتابه: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:21}، فأمرٌ بهذا السموّ لا ينبغي أن يكون محلًّا للتلاعب به.

ثم إن مما جرّكما إلى هذا كله هذا التساهل في هذه العلاقة العاطفية غير المنضبطة بالشرع، وقد سبق بيان حكم الحب في الإسلام في الفتوى: 4220، وراجع أيضًا الفتوى: 30003.

فيجب عليك قطع العلاقة معها، فإن تيسر لك بعد ذلك الزواج منها، فالحمد لله، وإلا فدعها وابحث عن غيرها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني