الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا...

السؤال

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32).
نص الآية المذكورة موجهة لبني إسرائيل. فهل يحكم علينا بنفس الحكم؟
ومعنى أحياها يعني إنقاذ من الظلم، أم الإنقاذ بصفة عامة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الآية تشمل بني إسرائيل وغيرهم.

جاء في الدر المنثور للسيوطي: وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه قيل له في هذه الآية: أهي لنا كما كانت لبني إسرائيل؟ قال: إي، والذي لا إله غيره. اهـ.

وقال الخازن في تفسيره: سئل الحسن عن هذه الآية: أهي لنا كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: إي، والذي لا إله غيره، ما كانت دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا. اهـ.
وفي قوله تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا {المائدة:32}، عدة أقوال للمفسرين.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: وفي قوله تعالى: ومن أحياها، خمسة أقوال: أحدها: استنقذها من هلكة، رُوي عن ابن مسعود، ومجاهد.

قال الحسن: من أحياها من غرق أو حرق أو هلاك. وفي رواية عكرمة عن ابن عباس: من شد عضد نبي أو إمام عادل، فكأنما أحيا الناس جميعا. والثاني: ترك قتل النفس المحرمة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في رواية. والثالث: أن يعفو أولياء المقتول عن القصاص، قاله الحسن وابن زيد وابن قتيبة. والرابع: أن يزجر عن قتلها وينهى. والخامس: أن يعين الولي على استيفاء القصاص؛ لأن في القصاص حياة. ذكرهما القاضي أبو يعلى.

وفي قوله تعالى: فكأنما أحيا الناس جميعا. قولان:

أحدهما: فله أجر من أحيا الناس جميعا، قاله الحسن وابن قتيبة.

والثاني: فعلى جميع الناس شكره كما لو أحياهم، ذكره الماوردي.

قوله تعالى: ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات. يعني: بني إسرائيل الذين جرى ذكرهم. اهـ.
وقال الشوكاني في فتح القدير أيضا: المعنى أن من قتل نفسا فيلزمه من القود والقصاص ما يلزم من قتل الناس جميعا. ومن أحياها أي من عفا عمن وجب قتله، حكاه عنه القرطبي. وحكي عن الحسن أنه العفو بعد القدرة: يعني أحياها. وروي عن مجاهد أن إحياءها: إنجاؤها من غرق أو حرق أو هدم أو هلكة، حكاه عنه ابن جرير وابن المنذر.

وقيل المعنى: أن من قتل نفسا فالمؤمنون كلهم خصماؤه؛ لأنه قد وتر الجميع. ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، أي وجب على الكل شكره.

وقيل المعنى: أنه من استحل واحدا، فقد استحل الجميع؛ لأنه أنكر الشرع.
وعلى كل حال، فالإحياء هنا عبارة عن الترك والإنقاذ من هلكة، فهو مجاز، إذ المعنى الحقيقي مختص بالله عز وجل. والمراد بهذا التشبيه في جانب القتل تهويل أمر القتل وتعظيم أمره في النفوس، حتى ينزجر عنه أهل الجرأة والجسارة، وفي جانب الإحياء الترغيب إلى العفو عن الجناة واستنقاذ المتورطين في الهلكات. اهـ.

فالإحياء على أحد الأقوال يشمل الإنقاذ من كل ما يؤدي إلى الهلاك, وعلى هذا فإنه يشمل الإنقاذ من الظلم إذا كان سيترتب عليه الهلاك.

وراجع المزيد عن معنى هذه الآية، في الفتوى: 374074

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني