الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القصاص بين الزوج وزوجته، وسبب نزول قوله تعالى: (الرجال قواموان على النساء)

السؤال

قرأت أن هناك رواية في سبب نزول آية: "الرجال قوامون على النساء"، وهو أن أحد الصحابة لطم امرأته، فلما اشتكت للنبي، وقال لها أن تقتص منه، نزلت تلك الآية، فحدثتني نفسي أنه منعها الله القصاص بسبب قوامته عليها، وخطرت لي أفكار سيئة، وحاولت إقناع نفسي أن الله له حكمة، منها أن تظل تحترمه؛ لكي تستطيع أن تطيعه فيما بعد، وتحتمي به، ويقوم على شؤونها، وأن حفظ الأسرة أولى من القصاص منه في المطلق، أو بنفسها، وأن الله لا يظلم، وأن المرأة ليست أقل من الرجل في الإسلام، ولكني أجدني قلقة النفس، غير مطمئنة الصدر، وهذا يتعبني جدًّا، وتسيل دموعي كلما جاءت تلك الفكرة على بالي، وأنني لست مطمئنة، ومذعنة للأمر، وخالطني الحرج في صدري، وهذا ما أكرهه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنزول الآية لهذا السبب، واقتضاؤها لنفي القصاص بين الرجل وامرأته، إنما روي مرسلًا عن الحسن، وقتادة، ومعضلًا عن ابن جريج، والسدي، وغيرهما، وليس فيه شيء مرفوع متصل!

ومن ذلك ما رواه ابن جرير الطبري بإسناده عن الحسن: أنّ رجلًا من الأنصار لطم امرأته، فجاءت تلتمس القصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص، فنزلت: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [طه:114]، ونزلت: {الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضَهم على بعض}. اهـ.

وزاد السيوطي عزوه في الدر المنثور للفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه. وأورده الرازي في تفسير سورة طه وقال: وهذا بعيد. اهـ.

وعلّق عليه، وعلى بقية الآثار المنقطعة التي أوردها الطبري المحقق الشيخ أحمد شاكر، فقال: سورة طه سورة مكية باتفاق، فقول الحسن: إنها نزلت في شأن المرأة الأنصارية، وذلك بالمدينة -ولا ريب-، قول فيه نظر ... هذا، وبحسب امرئ مسلم أن يحفظ من صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رواه البخاري ومسلم: أيضرب أحدكم امرأته، ثم يجامعها في آخر اليوم. وما رواه ابن ماجه: خياركم خياركم لنسائهم. اهـ. وانظري الفتوى: 295237.

ونفي القصاص بين الرجل وامرأته إذا تعدى في ضربها قال به بعض الفقهاء؛ كالزهري، وبعض المفسرين، ولكن لم يصح فيه دليل؛ ولذلك قال ابن حزم في المحلى: إن ضربها بغير ذنب، أقيدت منه. اهـ. وعلى ذلك نصّ غيره من الفقهاء، وراجعي في ذلك الفتوى: 107165.

وهنا ننبه على أن جمهور الفقهاء لا يقولون بالقصاص في اللطمة، ونحوها مما لا تتحقق فيه المماثلة، ولا يؤمن فيه الحَيف، سواء من الزوج، أم من غيره. وراجعي في ذلك الفتويين: 25387، 133341.

وإذا لم يمكن القصاص، فعندئذ يعزر القاضي الزوجَ المعتدي في ضربه، جاء في البحر الرائق نقلًا عن البزازية: ادعت على زوجها ضربًا فاحشًا وثبت ذلك عليه، يُعزَّر الزوج. اهـ‍. وفيه أيضًا: قد صرحوا بأنه إذا ضربها بغير حق، وجب عليه التعزير. اهـ.

ثم على فرض ثبوت الآثار المتقدمة، ونفي القصاص بين الرجل وامرأته، فليس ذلك لكونه ذكرًا وكونها أنثى، وإنما ذلك لمقامه، وعظم حقّه عليها، كما لا يقتص للرجل -وهو ذكر- من أمّه -وهي أنثى- إن لطمته ظلمًا وعدوانًا؛ لمقامها، وعظم حقّها عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني