الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يستحق المضارِب الربح المتفق عليه إذا دفع المال إلى مضارب آخر دون إذن؟

السؤال

عرض عليَّ صديق مشاركته بالمال في عمل يقوم به، على أن تكون الأرباح مناصفة -أنا أشاركه بالمال، وهو بالمجهود-، ثم تبين لي بعد فترة أنه لا يدير أيَّ عمل، وأنه يستثمر الأموال لدى أشخاص آخرين دون أن يخبرني، فهل الاتفاق على مناصفة الأرباح ما زال ساريًا إذا أيقنت أنه لا يدير أيَّ عمل؟ وما حكم الشرع في عدم إعطائي الأرباح كاملة؟ وهل يمكن أن أعطيه نسبة من الأرباح نظير إدارة المال لصالحي على أن يعطيني كامل الأرباح؟ وما حكم كذبه عليَّ للحصول على المال لمشاركته؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما فعله صديقك هذا من كذب وتصرف في المال بغير إذنك، لا يجوز. ويوجب عليه ضمان المال إذا نقص، أو تلف.

وأما استحقاقه للربح إذا حصل ربح، ففيه خلاف بين أهل العلم، بناء على خلافهم في ربح المال المغصوب: هل هو للغاصب، أو للمغصوب منه؟ ثم هل يكون هذا الربح للعامل الثاني أم للأول والثاني معًا؟ وإذا حكمنا أن الربح كله لرب المال، فهل يكون للعامل الثاني أجرة المثل أم لا؟

قال الروياني في بحر المذهب: إذا قارض العامل بمال القراض رجلًا آخر، لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون بإذنه أو بغير إذنه:

فإن كان بإذنه، كأن رب المال قال له: قارضتك بهذا المال، ولك أن تقارض إنسانًا آخر، فهذا بمنزلة الوكيل، فالقراض الثاني صحيح ...

وإن كان من غير إذن رب المال، فالقراض الثاني فاسد؛ لأن رب المال رضي باجتهاد العامل الأول، ولم يرض باجتهاد العامل الثاني، ويصير الأول ضامنًا بدفعه إلى الثاني. ثم إن عمل الثاني ينظر، فإن لم يحصل ربح، أخذه رب المال، وإن حصل ربح، فهو مبني على مسألة، وهي أن الغاصب إذا اتجر في المال المغصوب، أو المودع تصرف من غير إذن المودع، وربح لمن يكون الربح؟ فيه قولان ... اهـ.

وقال الماوردي في الحاوي الكبير: وذهب أبو إسحاق المروزي، وأبو علي بن أبي هريرة، وجمهور أصحابنا إلى أن ما رواه المزني على هذا القول صحيح، وأن رب المال ليس له من الربح إلا نصفه بخلاف المأخوذ غصبًا محضًا؛ لأن رب المال في هذا الوضع دفع المال راضيًا بالنصف من ربحه، وجاعلًا نصفه الباقي لغيره، فذلك لم يستحق منه إلا النصف. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: ليس للمضارب دفع المال إلى آخر مضاربة ... فإن فعل، فلم يتلف المال، ولا ظهر فيه ربح، رده إلى مالكه، ولا شيء له ولا عليه ... وإن ربح في المال، فالربح لمالكه، ولا شيء للمضارب الأول؛ لأنه لم يوجد منه مال، ولا عمل.

وهل للثاني أجر مثله؟ على روايتين: إحداهما: له ذلك؛ لأنه عمل في مال غيره بعوض لم يسلم له، فكان له أجر مثله، كالمضاربة الفاسدة.

والثانية: لا شيء له؛ لأنه عمل في مال غيره بغير إذنه، فلم يستحق لذلك عوضًا، كالغاصب. وفارق المضاربة؛ لأنه عمل في ماله بإذنه. اهـ.

وانظر لمزيد الفائدة الفتويين: 106431، 78477.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني