الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية إقناع المرأة أمَّها وإخوتها بالعمل عند حاجتها إليه

السؤال

أحبّ هذا الموقع الذي يجلب لي السكينة دائمًا بسبب الإجابات المتزنة، والدعوات الجميلة، فشكرًا جزيلًا لجهودكم الطيبة.
كيف أستطيع إقناع أمّي بأمور مباحة لا محاذير فيها؟ فأنا طالبة متأخرة في دراستي لأسباب عديدة: منها: عدم توفر القبول بسبب جنسيتي، مع أن درجاتي عالية، بالإضافة إلى نقص المال، ولكنّ إمكانياتي عالية، وكل هذا بفضل الله تعالى فقط لا غيره، فقد أنعم عليّ بالكثير، وأهمّ من ذلك أنه رَدَّني إلى دِيني، وألهمني الالتزام بأمور شتى، كالسُّنَّة، وقيام الليل، ولم يعد للموسيقى جمال عندي، وأحمده على هذا كله كثيًرا.
بعد وفاة أبي رجعنا إلى بلدنا الأصلي، ونفد المال بسرعة، وأصبحت أساسيات الحياة شغلنا، وعند تسجيلي بالجامعة لم أستطع اختيار إلا أقل الساعات، أو تأجيل الفصول؛ فتأخرت عن دفعتي اللواتي هنّ أصغر مني، وأصبحت مشاكل أسناني صعبة جدًّا، وخسرت أكثر من سِنٍّ، وأنا ما زلت في العشرينات، ناهيك عن مصاريف دخول أخي الأصغر الجامعة أيضًا.
وفي هذه السنة توفي أخي الأكبر والبكر، وخلّف زوجة وطفلين رضيعين، فقررت البحث عن عمل؛ لعلي أتكفّل بمصاريف دراستي بنفسي، وأجمع القليل من المال، وهناك الكثير من مراكز العمل الخالية من المحاذير الشرعية، وتلقيت طلبًا من شركة كادرها نسائي، لكن أمّي رفضت؛ بحجة أنها تريدني أن أتخرج أولًا، وأن المال قد يتوفر.
على هذا المسار لن أتخرج إلا بعد 8 - 10 سنين، وأنا لا أريد هذا؛ لأنني سأكون كبيرة في السن دون أية خبرة، ولن أجد العمل آنذاك، وأمّي عنيدة، وتقول: لا تريد هذا الأمر، وصارحتها بالأرقام والحسابات، ولكنها ما زالت ترفض، علمًا أنها رفضت الأمر عندما تحجبت، وقالت لي: إني سأنزعه، وكان هناك صراخ كثير، ولم أجادلها، بل تجنبت الخروج، وبقيت ألبس الجاكيت الطويل الفضفاض، وأخبئ شعري ورقبتي تحت القبعة، وأختبئ منها؛ حتى لا تراني بتلك الصورة، وبقي هذا الحال شهرًا حتى تقبلت الوضع، ولا أعلم لمَ كل هذا الذي فعلَتْه، وهي تعلم أني أخاف عقاب الله جدًّا، وألتمس رضاه في كل شيء، وهي تقول: إنها عقلانية، ولكنها تتحرك بمشاعرها فقط، عدا عن حادثة رفضي للغش في امتحاناتي، حيث قيل لي: إني سأرسب، وإني لست ذكية كفاية، وإني سأضيع المال.
أنا أعلم من الصحابة أن الله يعاقب العبد بسوء تصرف أفراد عائلته، فأستغفر كثيرًا، وأدعو كثيرًا، فقررت أن أطلب النصيحة منكم؛ لأنه لم يعد هناك أحد إلا وهو يريد شأن يملي عليَّ الأوامر، كإخوتي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنشكرك على إعجابك بموقعنا، وثقتك بنا -جعلنا الله وإياك في خدمة دينه، ورزقنا الإخلاص في القول والعمل، وتقبل منا ومنك كل عمل صالح-. ونسأله أيضًا أن ييسر أمرك، ويفرّج كربك.

وجزاك الله خيرًا على حرصك على الاستقامة على طاعة الله عز وجل، والتزام الحجاب، ونسأله أن يعينك، ويسددك.

ونوصيك بالالتجاء إليه في أمورك كلها، فهو من بيده خزائن السماوات والأرض، وهو القائل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

والصبر على أمّك مع كثرة الدعاء، من أعظم ما يعينك في سبيل إقناعها، هذا بالإضافة إلى توسيط أهل الخير، ومن ترجين أن تستجيب لقولهم، فلعلهم يقنعونها.

وينبغي أن تحاوريها بلطف فيما ذكرتْ من أن المال قد يتوفر، والسبل التي يمكن من خلالها أن يتحقق ذلك، فقد ييسر الله لكما من خلال هذا الحوار التوصل إلى بعض الوسائل، فقد تهتدون إلى عمل لا يحتاج إلى الخروج من البيت، أو عمل تمارسه أمّك، أو إخوتك يحصلون به على مال يعينونك به في أمر دراستك.

وفي نهاية المطاف: إن لم يتيسر الأمر، وكنتِ في حاجة للعمل، وقد يلحقك الضرر إن لم تلتحقي بالعمل لكسب المال، فلا حرج عليك في الالتحاق بهذا العمل، مع الاجتهاد في إرضاء أمّك إن غضبت عليك بسببه؛ فطاعة الوالدين لا تجب فيما فيه ضرر على الولد، كما بين أهل العلم، وانظري الفتوى: 76303.

وإذا كان هذا بالنسبة للوالدين، فمن باب أولى الإخوة.

ولكن ننصحك بمحاولة التفاهم معهم أيضًا بلطف، والاستعانة عليهم بالأخيار؛ تجنبًا للشقاق، واتقاءً لعنادهم وتعنتهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني