الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الهبة للأولاد

السؤال

في السنة الماضية، بعد إلحاح من أبي دام سنوات، قام أبي بكتابة المنزل الذي يملكه (المنزل الذي نشأنا فيه أنا وإخوتي) باسم أخي، مقابل مبلغ مالي يدفعه أخي لكافة أفراد العائلة، كما يلي:
أمي: 50000 دينار، أبي:50000 دينار، لي 4 أخوات لكل منهن 50000 دينار، أخي: 150000 دينار، اقتطعها من ثمن المنزل، ونصيبي أنا 150000 دينار، كذلك.
يكمن هذا التقسيم على رأي أبي، بحجة أن أخواتي متزوجات (إلا أختا واحدة مطلقة، يكفلها أخي) وكذلك يقول أبي إنه إذا مرض، فسيقوم به أولاده وليس بناته.
استجاب أخي لدعوة أبي بما أنه ميسور الحال، وهو الوحيد القادر على الشراء. ويعتبر أخي كريماً، وقد سبق فضله على كافة أفراد العائلة.
يكمن إلحاح أبي على البيع الآن؛ لرغبته بتفادي المشاكل العائلية التي قد تتولد عند الميراث، وكذلك لرغبته بإنشاء مشروع فلاحي، بجانب المنزل الريفي الذي يقضي فيه معظم وقته مع أمي.
هذا التقسيم وقع بعد عدة اجتماعات بين أفراد العائلة، لم أكن موجودا، بحكم أني أقطن ببلد آخر. لكنني لم أرفض التقسيم، على أن يكون موافقاً للشرع.
أخواتي كن موافقات على مبدأ البيع لأخي، ولكن حصل توتر في بداية التقسيم، بحجة أن قيمة المنزل أعلى؛ وبالتالي نصيبهن. ولكنهن رضين بالمبلغ 50000 دينار في النهاية، فيما أظن.
إلى حد الآن قام أخي بتسديد نصيب أمي وأبي، وأخت واحدة.
سؤالي هو: هل يجوز لي أن آخذ هذا المبلغ على شكل هبة أو عطية؟
أفيدونا، بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمعاملة تعتبر بيعا من قبل الأب للمنزل، وما حدده لكل فرد منكم؛ هو هبة منه لكم.

والهبة للأبناء، اختلف أهل العلم في شأنها: هل يجب فيها العدل، أو يستحب فقط؟ وما هو العدل فيها بين الذكر والأنثى: هل تعطى البنت نصف ما لأخيها كالميراث، أو يسوى بينهما؟ في ذلك خلاف.

فقد ذهب الجمهور إلى أنّ العدل بين الأولاد في العطية مستحب، غير واجب. وذهب الحنابلة إلى وجوبه، وقالوا مقتضى العدل أن يعطى الذكر ضعف نصيب الأنثى، حسب قسمة المواريث.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية، وكراهة التفضيل. قال إبراهيم: كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القُبَل.

إذا ثبت هذا، فالتسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث، فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين. وبهذا قال عطاء، وشريح، وإسحاق، ومحمد بن الحسن.

قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده: ارددهم إلى سهام الله تعالى، وفرائضه. وقال عطاء: ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى.

وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن المبارك: تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر. انتهى.

والقول بوجوب العدل في الهبة هو المفتى به لدينا، وعليه، فعلى الأب أن يعدل في الهبة.

ولو أعطى البنت نصف ما للابن، فلا حرج، كما أنه لو خص أحد الأبناء، أو إحدى البنات وزاده، لمسوغ معتبر، فلا حرج.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: فإن خصّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل. أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها.

فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه. المغني.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: لو احتاج أحد الأبناء إلى زواج، فزوجه؛ فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا لزواجه، ولكن يجب عليه إذا بلغ الآخرون سن الزواج وأرادوا أن يتزوجوا، أن يزوجهم كما زوج الأول... انتهى.
وبناء عليه؛ فإن كانت القسمة موافقة لما تم بيانه، فلا حرج عليك في قبول عطيته. وإن كان هناك حيف، فعلى الأب مراجعة القسمة للعدل فيها وفق ما ذكر، ومن فضل بلا مسوغ، فليرد الزائد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني