الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التائب من السرقة العاجز عن رد الأموال

السؤال

أرشدوني -أرشدكم الله إلى ما يحب ويرضى-، فقد أخذت مالًا من المال العام ومن بعض المتبرعين بغير وجه حق، وعليّ ديون كثيرة، منها إيجار بيت متراكم، وأنا ملزم بسداده في مدة معينة، ولديّ زوجة، وثلاثة أطفال، بالكاد أصرف عليهم؛ بسبب الوضع المادي، وقد تبت إلى الله سبحانه وتعالى، ولست قادرًا على إرجاع المظالم لأهلها، وأخاف من مصيري خوفًا شديدًا بسبب أموال الناس، فهل أهتم بذريتي والصرف عليهم، أم أجمع للمظالم؟ وأيهما أهم؟ وهل توبتي تقبل إذا لم أقدر على إرجاع المال؟ وجّهوني -أثابكم الله-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يمحو حوبتك، وأن يغنيك، ويقضي دينك.

وأما قولك: (هل أهتم بذريتي والصرف عليهم، أم أجمع للمظالم؟ وأيهما أهم؟): فينبغي لك الاهتمام بالأمرين معًا، فتسعى في النفقة على زوجك وذريتك، وقضاء دَينك، لكن إن لم يمكن تحصيل الأمرين؛ فإن النفقات الضرورية لأهل بيتك مقدمة على قضاء الدين، كما سبق في الفتاوى: 22300، 44656، 61265.

وأما قولك: (وهل توبتي تقبل إذا لم أقدر على إرجاع المال؟) فإن صدقت في التوبة بالندم على ما فعلت، وعزمت على أداء ما عليك من حقوق؛ فإن توبتك صحيحة -إن شاء الله-، ولا تؤاخذ بالعجز عن أداء الحق، جاء في تفسير القرطبي: قال العلماء: الذنب الذي تكون منه التوبة: فإن كان الذنب من مظالم العباد، فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه، والخروج عنه- عينًا كان أو غيره- إن كان قادرًا عليه، فإن لم يكن قادرا، فالعزم أن يؤديه إذا قدر، في أعجل وقت وأسرعه. اهـ.

ونقله ابن مفلح في الآداب الشرعية، ثم قال: وهذا يدل على الاكتفاء بهذا، وأنه لا عقاب عليه؛ للعذر، والعجز.

وقد أفتى بهذا بعض الفقهاء في هذا العصر من الحنفية، والمالكية، والشافعية، وأصحابنا. وشرط المالكي في جوابه أن يكون استدان لمصلحة، لا سفهًا.

وحكي أن بعض العلماء المتقدمين قال ما معناه: إن الله تعالى لم يعاقبه في الدنيا، بل أمر بإنظاره إلى الميسرة، فكذلك في الدار الآخرة. اهـ.

وراجع للفائدة، الفتوى: 223387.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني