الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم النبي في الحلال والحرام وأمور التشريع وحي من الله

السؤال

رأيت الكثير من الأفراد يحرمون ويحللون، ويفرضون على هواهم، ويكفرون من أرادوا، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ. {النحل:116}.
ولقد قرأت أن التحريم لله تعالى وحده لا شريك له، قال الله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ. {الأنعام:57}. وقال سبحانه: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ. {يوسف:40}
ولكن في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قد تم تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وكذلك تحريم حلق اللحية. وتحريم مصافحة النساء وغيرها. كما تم فرض الختان وغيره(كمثال).
السؤال هو: هل ما سبق ذكره هو نهي وسنن فقط (ليس بهدف التقليل من شأن السنة) من الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس تحريما، ولا فرضا؛ لأن النهي من الرسول صلى الله عليه وسلم يكون لضرر يلحق بالناس.
وهل إذا وصفنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يحلل ويحرم. هل نكون قد أشركنا بالله، كما فعل المسيحيون واليهود؛ لقوله تعالى: وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون. {النحل: 51}، وقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)}. الكهف.
وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا. الأحزاب: {45 - 48}.
وقوله تعالى:(مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ) المائدة: 99.
لا أقصد بهذا الصدد التقليل من شأن السنة، ولكن هل تلعب دورا تكميليا وتفسيريا أم هي والقرآن سواء؟
والله أعلم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصحيح أن الحكم لله تعالى وحده، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يشرع من قِبل نفسه، وإنما بوحي من الله، ولذلك وجبت له الطاعة المطلقة. ولذلك يفرد الله تعالى الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور: 56]. كما يعطف الأمر بطاعة رسوله على الأمر بطاعته؛ لكونه مبلغا عنه سبحانه، كما قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [المائدة: 92]، وقال سبحانه: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور: 54]، وقال عز وجل: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [التغابن: 12]. فتجد في خاتمة الآيات الثلاث التنبيه على كون الرسول مبلغا عن الله تعالى.
فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام وأمور التشريع، إنما هو بوحي من الله تعالى، ولذلك كانت طاعة الرسول من طاعة الله تعالى، قال سبحانه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطاعني؛ فقد أطاع الله، ومن عصاني؛ فقد عصى الله. رواه البخاري ومسلم.

ولذلك أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من يفرق بين الحكم الثابت بالقرآن والحكم الثابت بالسنة، فقال صلى الله عليه وسلم: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته، يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع .. الحديث. رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه الألباني. وراجع في ذلك، الفتاوى: 31742، 204151، 393787، 4588، 3217.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني