الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية مواجهة المشاكل الدنيوية

السؤال

أنا أجد حياتي بائسة جدا، وأتعجب كيف خلقني الله في هذا البؤس؟ دوما ما أتمنى أن أختفي بشكل ما، وأن أتوقف عن الشعور كما النائم. سؤالي هو: كيف أتوقف عن ذلك؟ لقد ترعرعت في أسرة تبدو محبة لبعضها بعضا، حتى سن السادسة، وجدت أمي وأبي يتشاجران بلا توقف، وجدت أحاديث تدور في بيتنا عن السحر دوما، وكيف أننا مسحورون، وإن كان هذا حقيقيا، فكيف يتحدثون عنه أمام طفلة؟
توفيت جدتي التي تربيت على يديها، لتنجب أمي طفلا، فيموت لتعيد الكرة، فيصيبها سرطان الثدي، ويموت أخي الثاني، ليخون أبي أمي مرارا وتكرارا، وشجارا مستمرا؛ ليموت جدي، لتمرض أمي بسرطان المخ، وتشفى -حمدا لله- ليأتيها الصرع، والكيماوي ينتظرها، ليخون أبي أمي، ويزني بفتاة زنجية، ثم يتوب، ثم يزني بثلاث فتيات بعد هجرانه للبيت، ويذلنا بما نأكل، وبما نتعلم به، مع أنه ثريٌّ بمعني الكلمة، وصرف على تلك الفتيات آلافا مؤلفة، وابتاع لهن الألماس، وسيارة بنصف مليون جنيه لنفسه.
ولكن كل يوم كان يراسلني بالتهديدات، ويعيب في أمي وفيَّ، وفي شكلي أنا وأختي لأننا سمينات، لم يراعِ أحد صحتنا أبدا، والله فأنا أعاني من متلازمة تكيس المبايض، ولكن لم يهتم أحد، فأصبحت سمينة لهذا السبب، وأصبحوا يعيبون عليَّ بدلا من مساعدتي.
أمي أعادت أبي للبيت، وأصبح يعود للبيت الذي فتحه لغرامياته، وأمي تثور، وهكذا عاود الشجار بيتنا للمرة الألف، كل يوم أسوأ آلاف المرات من الذي يسبقه، أمي لا تنحاز لنا أبدا، ولا تجدنا مظلومين في هذه الدنيا، ولا تتخذ قرارات صحيحة، وأبي يمرح في دنياه كما يشاء، ولكنه يتكلم عن أبسط المشتريات في بيتنا، وكيف أننا مسرفون.
أكره حياتي، وأكره شكلي، وأكره كيف دمَّر أبي كل شيء في حياتي بمساعدة أمي. كيف أن كل يوم هو مأساة جديدة فريدة من نوعها، أنا أخاف على أمي أن تنتحر كما حاولت، وأخاف أن تمرض، وأخاف أن يقتلها أحيانا، حتى إن تركناهم بمفردهم أخاف أن يسافر، فلا يترك لنا مالا لعلاج أمي، أو لنأكل منه، أخاف أن أغضب أمي، فتمرض وتموت بسببي، كما دعت أن يحدث ذلك من قبل.
أراني بلا مستقبل، وبلا حياة في الحاضر، أنا دوما في خوف وحزن، وأعلم كم أن الصلاة مريحة، والتقرب لله، لأني جربت ذلك، ولكن حياتي حقا مأساة، لا نهاية لها.
كيف أقاوم كل هذا؟ كيف أشعر بشيء غير الخوف وكم أن حياتي مزرية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أن الله لا يقضي للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، وهذه المصائب والبلايا التي تنزل بك إن أنت صبرت عليها، فإنك ستجدين عاقبة ذلك يوم القيامة عاقبة محمودة، فقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}.

ثم إنك في نعم كثيرة من الله تعالى، فتفكري في تلك النعم العظيمة التي غمرك الله -عز وجل- بها من العافية والعقل وسلامة الحواس، وغير ذلك كثير، فإن تفكرك في هذه النعم ينسيك ما تعانينه من الآلام والمصائب.

وعليك أن تواجهي مشاكلك بالحكمة والصبر، والتسليم لقضاء الله والرضا بحكمه، وعليك بالدعوة إليه سبحانه، فحاولي أن تقربي أباك وأمك، ومن يحيط بك من الله تعالى، وتذكريهم بأن الدنيا لا تستأهل أن نجعلها أكبر الهم ومبلغ العلم، وأنه لا يبقى للمرء بعد موته إلا صالح عمله، فاشغلي نفسك بدعوتهم، وأن تبيني لهم أن سبيل السعادة الحقيقية هو في القرب من الله تعالى، واملئي حياتك بالعبادات المختلفة؛ فإن ذلك ينير قلبك، ويشرح صدرك، وتطمئن به نفسك.

حافظي على الفرائض، وأكثري من النوافل، والزمي الذكر والدعاء، وكوني أَمَة صالحة قدر الطاقة، فستنسين بما تقومين به من العبادات كل ما ينزل بك من المصائب، واصحبي الصالحات المؤمنات اللاتي يخففن عنك عناء الحياة وشدائدها، وتعينك صحبتهن على القيام بواجباتك الشرعية. نسأل الله أن يخفف عنك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني