الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح لمن سيطر عليه الخوف من الموت

السؤال

أشكركم جزيل الشكر على مجهوداتكم الجبارة.
أنا فتاة عمري 20 سنة، عانيت من الاكتئاب، ومن أعراض القلق والتوتر، ونوبات الهلع منذ ثلاثة أشهر، ومؤخرًا أصبح لديَّ وسواس الموت، وأن أجلي قريب، بل إني رأيت في المنام صديقًا لي ميتًا منذ 2015، أتاني وقال: إن أجلي سيكون في سبتمبر؛ مما زاد قلقي واضطرابي؛ حتى صدقت هذا الإحساس، ومؤخرًا توفي صديق آخر، لا أعلم إن كانت هذه صُدَفًا أم علامات أصبحت مرعبة، وهل هذه حقيقة أم وساوس؟ علمًا أنني مؤمنة بقضاء الله وقدره، إلا أن هذا الإحساس أصبح لا يفارقني، فماذا أفعل؟ أرجو منكم الرد، وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فدعي عنك هذا الوسواس، وذلك الوهم، واعلمي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، وتستكمل أجلها، وأنه إذا جاء الأجل، فلا يستأخر عنه أحدٌ ساعةً ولا يستقدم، قال تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا {المنافقون:11}، وقال: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ {الأعراف:34}.

وفي الحديث: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فأجملوا في الطلب. أخرجه أبو نعيم في الحلية.

وعليك أن تحوّلي خوفك المَرَضِيِّ من الموت إلى خوف صحيّ محمود؛ وذلك بأن تستعدي للموت بالعمل الصالح، وتتهيئي لاستقباله، حتى إذا ما جاءك؛ جاءك وأنت على خير حال، وأحسن عمل، فكان مجيئه رحمة لك، وقرة عين، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشِرَ عَشْرَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ، وَأَحْزَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ، وَأَكْثَرُهُمُ اسْتِعْدَادًا لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ، أُولَئِكَ هُمُ الْأَكْيَاسُ، ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا، وَكَرَامَةِ الْآخِرَةِ. رواه الطبراني في الصغير، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير، وإسناده حسن.

ولا تفكّري في الموت متى يأتي، وكيف يأتي؛ فإن الأجل مقدر أزلًا، ومكتوب في اللوح قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فالفكر في هذا لن يقدم ولن يؤخّر، ولكن عليك أن تشتغلي بما ينفعك من طاعة الله تعالى، والإقبال عليه، والاجتهاد في عبادته.

واعلمي أن الموت راحة للمؤمن من عناء الدنيا، ونصبها؛ ففي الصحيحين: عن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُرَّ عليه بجنازة، فقال: مستريح ومستراح منه. قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العباد، والبلاد، والشجر، والدواب.

وقال الزرقاني في شرح الموطأ: قال مسروق: ما غبطت شيئًا لشيء كمؤمن في لحده أِمن من عذاب الله، واستراح من الدنيا. انتهى.

فاشغلي نفسك عن التفكر المرضي الوسواسي بالتفكر فيما ينفعك، والإقبال على ما يفيدك.

ولو راجعت طبيبًا نفسيًّا ثقة لكان ذلك حسنًا، كما يمكنك مراجعة قسم الاستشارات بموقعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني