الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس من الاعتداء في الدعاء

السؤال

حضرت درسا لأخت كانت تشرح عن مسألة الدعاء، فقالت: إذا سألت الله شيئا فلا تجعليه مطلقاً، ولكن قيديه بالخصائص التي تريدين. فمثلا لا تقولي: اللهم ارزقني أبناء، فلربما رزقك أبناء وكانوا مرضى. ولكن قولي: اللهم ارزقني أبناء يكونون معافين، ويكونون صالحين، وهكذا من الصفات التي تريدين.
فأصبحت أدعو في كل شيء هكذا، أحدد خصائص الأشياء التي أسأل الله أن يرزقني بها، ولكني قرأت بعد ذلك عن الاعتداء في الدعاء، وعلمت أن هذا التخصيص قد يندرج تحت الاعتداء في الدعاء. فلم أعرف ماذا أفعل؟ فأصبحت لا أدعو إلا بما ورد في القرآن من الدعاء، كأن أقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
ثم أصبحت تأتيني وسوسة. ماذا أفعل بالأشياء التي أريد؟ هل أطلبها من الله؟ هل أحدد صفتها؟ ماذا لو أتت على غير الوجه الذي أريد؟ أم يعتبر هذا من سوء الظن بالله؟ ماذا لو لم تكن هي الخير؟
لا أدري كيف أدعو الله. وهل يجوز أن أطلب من الله الأشياء التي أرى أني أحتاجها كأن أقول: اللهم ارزقني ثوبا جديدا، اللهم ارزقني بيتا وهكذا؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فسلي الله ما تريدين مما لا إثم فيه، ولا قطيعة رحم، وليس هذا من الاعتداء في الدعاء بسبيل.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وفي الترمذي: ليسأل أحدُكم ربَّه حاجَتَه كلَّها حتى شِسْعَ نَعْلِه إذا انقطَعَ؛ فإنه إن لم يُيَسِّرْه لم يتيسَّر. وما زال الأنبياءُ وأتباعُهم يسألون الله مصالحَ دينهم ودنياهم وآخرتهم، فمن هو الذي استغنى عن سؤال الله تعالى. انتهى.

فسؤال الله ثوبا جديدا أو دارا واسعة، أو ولدا صالحا أو نحو ذلك، أمر حسن مطلوب، وليس فيه شيء من الاعتداء في الدعاء. وماهية الاعتداء في الدعاء، قد بيناها في الفتوى: 411400.

ولزوم أدعية الكتاب والسنة حسن جميل، وفيه خير كثير، وسؤال الله أن ييسر للعبد الخير حيث كان من الأمور المهمة، وهو من جوامع الدعاء.

قال ابن القيم -رحمه الله-: فاحذر كل الحذر أن تسألَه شيئًا مُعيَّنًا خِيرتُه وعاقبتُه مغيبةٌ عنك، وإذا لم تجد من سؤاله بُدًّا، فعلِّقه على شرط علمِه -تعالى- فيه الخيرة، وقدم بين يدي سؤالك الاستخارة، ولا تكن استخارة باللسان بلا معرفة، بل استخارة من لا علم له بمصالحه، ولا قدرة له عليها، ولا اهتداء له إلى تفاصيلها، ولا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، بل إن وُكِل إلى نفسه هلك كل الهلاك، وانفرط عليه أمره. انتهى.

والحاصل أن ما ذكر ليس من الاعتداء في الدعاء، فعليك أن تلزمي الدعاء، وتدعي بما تشائين، وتكثري من الدعاء بأدعية الكتاب والسنة، والجوامع من الدعاء؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الجوامع من الدعاء.

وبه يتبين أن ما ذكرته هذه الداعية ليس على إطلاقه، وأنه لا يلزم كل أحد أن يدعو دعاء مقيدا، بل من دعا دعاء مطلقا وسأل الله الخير حيث كان فهو على خير.

ومن فعل ما ذكرته من تقييد الدعاء، فلا حرج فيه أيضا، وكل ذلك واسع والحمد لله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني