الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء في وقف النقود

السؤال

هل يمكن إنشاء ميزانية مخصصة للمصاريف من خلال الوقف النقدي، للعلم أن هذه الميزانية موجهة لأصول موقوفة، حيث إن هذه الأصول هي مدارس، أراضي زراعية، مستشفيات. الخ لأجل تغطية أجور العاملين بها ومصاريف الصيانة ...الخ.
فهل هذا جائز، وماهي أقوال المذاهب الأربعة فيها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في صحة وقف النقود؛ لكون أعيانها لا تبقى إذا انتفع بها واستهلكت. والوقف من حيث الأصل تبقى عينه وأصله، وينتفع بمنفعته.

وتفصيل أقوال المذاهب الأربعة في المسألة، جاء بيانها في الموسوعة الفقهية كما يلي: ذهب الحنابلة والشافعية في الأصح، وابن شاس وابن الحاجب من المالكية إلى أن وقف النقود غير جائز؛ لأن النقود لا ينتفع بها مع بقاء عينها، بل الانتفاع بها إنما هو بإنفاقها، وهو استهلاك لأصلها، وذلك مخالف لموضوع الوقف.

وفرقوا بين إجارة النقود، وإعارتها لمنفعة التزين بها، أو معايرة الوزن بها، أو نحو ذلك من المنافع، وبين وقفها على مثل هذه المنافع، بأن المنفعة الأصلية المقصودة التي خلقت لها النقود هي كونها أثمانا تنفق إلى الأغراض والحاجات، وأن الإجارة والإعارة المعتبر فيهما عدم الدوام بخلاف الوقف.

وفي وجه عند الحنابلة نقله صاحب الفروع: يجوز وقفها للتحلي والوزن، وهو مقابل الأصح عند الشافعية.

وأما المالكية فيوافقون على عدم جواز وقف النقود على الإنفاق، وعلى التزين ونحوه من المصالح، لكن ذهبوا إلى أنها إن وقفت على الإقراض جاز. وقد نص عليه الإمام مالك في المدونة، فتقرض لمن ينتفع بإنفاقها، ويرد بدلها، فإذا رد بدلها تقرض لغيره، وهكذا. قالوا: وينزل رد بدل النقود منزلة بقاء عينها.

وتفصيل مذهب الحنفية في ذلك أن مقتضى قول أبي حنيفة وأبي يوسف، عدم جواز وقف النقود؛ لأنه لا يجوز وقف المنقولات أصلا عندهما. وروي عن زفر من طريق الأنصاري إجازة وقفها -أي الدراهم والدنانير-.

وقول محمد إنه لا يجوز وقف المنقولات، لكن إن جرى التعامل بوقف شيء من المنقولات، جاز وقفه. انتهى.

ومن قال بجواز وقف النقود ومشروعيته، ذكر أن وقفها يكون بإقراضها، وينزل رد بدل القرض منزلة بقاء العين، فإن أوقفها للإنفاق والتزين لم يصح. وهو المنصوص عن الإمام مالك، ورواية الأنصاري عن الإمام زفر، وقيل: وقفها بإقراضها، وكذا بأن تدفع مضاربة إلى من يعمل بها، ثم يتصدق بالربح في الوجه الذي وقفت عليه، وهذا مروي عن زفر من الحنفية أيضا. وقيل: وقفها يكون للتحلي، والوزن، دون الإنفاق، بناء على صحة إجارتها، وهو قول مرجوح في مذهب الشافعية، ووجه في مذهب الحنابلة.

وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، في دورته التاسعة عشرة في 26 /4/ 2009م. :...

إذا استُثمر المال النقدي الموقوف في شراء أسهمٍ أو صكوك أو غيرها، فإن تلك الأسهم والصكوك لا تكون وقفًا بعينها مكان النقد، ما لم ينص الواقف على ذلك، ويجوز بيعها للاستثمار الأكثر فائدة لمصلحة الوقف، ويكون أصل المبلغ النقدي هو الموقوف المحبَّس... انتهى .

وعليه؛ فلا يصح إنشاء ميزانية مخصصة لمصاريف تغطية أجور العاملين بالمدارس والمستشفيات، ومصاريف الصيانة ونحو ذلك من خلال الوقف النقدي؛ لأن صرف النقود في ذلك يخل بمبدأ وقف النقود، ما لم ينص في وقفها على مشروعية صرف جزء منها في ذلك، وحينئذ لا يكون ما صرف من وقف النقود.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني