الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الواجب على من شك في كونه شهد زورًا

السؤال

حدث خلاف بين رجل ظالم وزوجته، وحلف الرجل أنها سبَّتْه؛ لذا قام بضربها، وحلفت الزوجة أنه سبّها، فردت عليه بقولها: "بل أنت كذلك"، تعني أن تلقي عليه السبَّة التي سبَّها لها، دون أن تنطق بلفظ السبِّ، فقام بضربها، مع العلم أن هذا الرجل كذب أكثر من مرة، وأنا كنت شاهد عيان لهذا النزاع، وبسبب الصدمة حدث تشويش في ذاكرتي لهذا الموقف، وما أنا متأكد منه هو أن الرجل كان غاضبًا، وبدأ بالسبِّ، وأنا متأكد أيضًا أنه قام بضرب زوجته، لكني لا أتذكر إن كانت هي سبَّتْه كما يقول، أم قالت له: بل أنت كذلك.
أعرف أن الفرق قد يبدو بسيطًا، لكن في ثقافة هذه المنطقة فالسبُّ والضرب هو عار كبير، خصوصًا بين الرجل وزوجته، وفي جلسة رجال -وليس في المحكمة- شهدتُ أنه قام بسبّ زوجته وضربها، وأنها لم تسُبَّه، ولم يترتب على ذلك حقوق مادية، ولكن اتضحت صورة الرجل الظالم أمام الرجال، أي أنه حق معنوي، لكنه بالفعل ظالم، وهذا الاجتماع كان مفاجئًا نوعًا ما، ولم أراجع الموقف في ذهني قبل أن أشهد، وقد احتجت مدة حتى ألاحظ هذا التشوش، وأنا أظن أني شهدت زورًا، فماذا عليَّ أن أفعل؟ فإذا ذهبت إلى هذا الرجل الظالم لأستحلّه، فسوف يزداد غروره، وظنه أنه على حق، ولن يسامحني غالبًا، وإذا وافق على مسامحتي، فسوف يشترط مثلًا أن أذهب إلى من شهدت أمامهم، وأشهد من جديد، مع العلم أن هؤلاء الرجال قد تفرّقوا في بلاد أخرى، ولا يبدو أنهم يهتمون لأمر هذه المشكلة أساسًا، وإذا استطعت الوصول إليهم، فسأبدو كالأحمق إذا أخبرتهم، وسيظنون أن هذا الرجل على صواب، وأن زوجته تفتري عليه الكذب، والله أعلم.
بالإضافة إلى أني لا أملك الشجاعة الكافية لمواجهة هذا الموقف الصعب. ليتني أستطيع العودة بالزمن حتى أشهد بما في ذاكرتي، لا بما في ذاكرة من أثق بهم، وأعود بالزمن إلى قبل هذا، حتى أركز، وأحفظ الموقف جيدًا. أفتوني -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإننا نخشى أن يكون سبب سؤال السائل هو الوسوسة، ولا سيما وهو لم يحدث عنده هذا التشويش إلا بعد مدة، ولا ندري سبب جزمه بعد ذلك بوقوعه في شهادة الزور!

وعلى أية حال؛ فالذي فهمناه من السؤال أن هذا الرجل هو الذي بدأ بسبّ زوجته، وأن زوجته ردّت عليه سبّته، وإنما التشويش وقع فقط في كيفية ردها للسبّ: هل كان باللفظ الصريح أم بقولها: (بل أنت كذلك)، ثم ضربها الرجل.

وعلى ذلك؛ فقول السائل في شهادته: (إنها لم تسبّه)، إنما يعني به السبّ الصريح، وإلا فإنّ المرأة نفسها أقرّت بأنها قالت له: (بل أنت كذلك).

ولا نرى فيما ذكره عن نفسه جُرمًا أو إثمًا أو تعمدًا للكذب؛ خاصة وأن الحاصل عنده الآن مجرد شك، فهو لا يجزم بكونها سبته باللفظ الصريح! وأن القضية لم يترتب عليها حقوق مادية، وإنما إيضاح صورة الرجل الظالم أمام الرجال فقط، وهو بالفعل ظالم -كما ذكر السائل-، وكذب أكثر من مرة.

والذي نراه للسائل أن يعرض عن التفكير في هذا الأمر.

وإن كان يريد الاحتياط، فليستغفر الله تعالى، ويجتهد في العمل الصالح، ويدعو لهذا الزوج بالمغفرة، والهداية، وصلاح الحال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني