الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا لم تُفرَد قصة كل نبي في سورة كسورة يوسف؟

السؤال

لماذا لم ينزل الله سبحانه وتعالى كل قصة من قصص الأنبياء منفردة في سورة، واعتمد سبحانه على قصّ آيات متفرقة في سور متفرقة عن كل نبي أو رسول؟ فلماذا لم يقص سورة مريم، أو موسى، أو إبراهيم -عليهم السلام-، كما قص سورة يوسف كلها في سورة باسمه؟ وسورة سيدنا محمد لم تَحْكِ عنه بشخصه بشكل كامل، وبحثي عن الإجابة ما هو إلا تفكير وتدبر في حكمة الله. جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالقرآن العزيز ليس كتاب تاريخ تسرد فيه القصص، وتذكر فيه الوقائع بالترتيب، وإنما هو كتاب هداية ورحمة للعالمين، ومن ثم يذكر من القصص ما يحتاج إليه في الاتّعاظ والاعتبار، ويذكر في كل موضع ما يناسبه من تلك القصة، ولا يعنى بتفصيل الأحداث، وسرد الوقائع، وإنما يذكر فقط ما فيه العبرة، قال العلامة القاسمي -رحمه الله- في تفسيره: محاسن التأويل: ثم اعلم أن قصص القرآن الكريم لا يراد بها سرد تاريخ الأمم أو الأشخاص، وإنما هي عبرة للناس. كما قال تعالى في سورة هود، بعدما ذكر موجزًا من سيرة الأنبياء -عليهم السلام- مع أقوامهم: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ... [هود:120] إلخ، ولذلك لا تذكر الوقائع والحوادث بالترتيب، ولا تستقصى فيذكر منها الطمّ والرمّ، ويؤتى فيها بالجرّة وأذن الجرة، كما في بعض الكتب، التي تسميها الملل الأخرى مقدسة. وللعبرة وجوه كثيرة. وفي تلك القصص فوائد عظيمة. وأفضل الفوائد، وأهم العبر فيها: التنبيه على سنن الله تعالى في الاجتماع البشريّ، وتأثير أعمال الخير والشر في الحياة الإنسانية. وقد نبه الله تعالى على ذلك في مواضع من كتابه، كقوله: وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ [الحجر:13]، وقوله: سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ [غافر:85]، يذكر أمثال هذا بعد بيان أحوال الأمم في غمط الحق، والإعراض عنه، والغرور بما أوتوا، ونحو ذلك. انتهى.

وقال أيضًا: القرآن لم يبن على قانون التاريخ، فليس فيه شيء من التاريخ من حيث هو قصص وأخبار، وإنما هي الآيات والعبر، تجلّت في سياق الوقائع؛ ولذلك لم تذكر قصة بترتيبها وتفاصيلها، وإنما يذكر موضع العبرة فيها، كما سيأتي الإشارة إليه في قوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ [يوسف:111]، وقوله: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ [هود:120]. انتهى.

وجاءت قصة يوسف -عليه السلام- نسقًا واحدًا في سورة واحدة؛ لاكتمال العبرة والعظة في ذلك، فسبحان من هذا كلامه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني