الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يثق العبد بأن الله سيهديه؟

السؤال

كيف أثق بأن الله سيهديني؟ فأنا أخاف دائمًا من هذا الأمر. جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاعلمي أن الهداية محض فضل من الله تعالى، وتوفيق لمن شاء من عباده، وأنه -سبحانه- يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، لكن على العبد أن يلزم عتبة العبودية، ويأخذ بأسباب الهداية، ومن جملتها: الحفاظ على الفرائض، والإكثار من النوافل، ولزوم الدعاء بالتثبيت والهداية.

وعليه أن يعلّق قلبه بالله، ويتوكل عليه.

والتوكل على الله في الهداية إلى الصراط المستقيم من أعظم أنواع التوكل، وهو أعظم من التوكل عليه سبحانه في جلب الأرزاق والأقوات، قال ابن القيم -رحمه الله-: وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُتَوَكِّلِينَ يَكُونُ مَغْبُونًا فِي تَوَكُّلِهِ. وَقَدْ تَوَكَّلَ حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ وَهُوَ مَغْبُونٌ، كَمَنْ صَرَفَ تَوَكُّلَهُ إِلَى حَاجَةٍ جُزْئِيَّةٍ اسْتَفْرَغَ فِيهَا قُوَّةَ تَوَكُّلِهِ. وَيُمْكِنُهُ نَيْلُهَا بِأَيْسَرِ شَيْءٍ، وَتَفْرِيغُ قَلْبِهِ لِلتَّوَكُّلِ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ، وَنُصْرَةِ الدِّينِ، وَالتَّأْثِيرِ فِي الْعَالَمِ خَيْرًا، فَهَذَا تَوَكُّلُ الْعَاجِزِ الْقَاصِرِ الْهِمَّةِ. انتهى.

فمن صدق توكله على الله في هدايته، لم يخيبه الله، ولم يخذله؛ مصداق قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ {الطلاق:3}، وبقدر صدق توكله يكون كمال هدايته؛ ومن ثم تعظم ثقته في فضل الله ورحمته، فعليك بالتوكل على الله، وإحسان الظن به، مع الأخذ بالأسباب؛ فإن كمال التوكل يكون بالأخذ بالأسباب، مع ركون القلب إلى مسببها تبارك وتعالى، قال ابن القيم -رحمه الله-: فَالتَّوَكُّلُ مِنْ أَعْظَمَ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْمَطْلُوبُ، وَيَنْدَفِعُ بِهَا الْمَكْرُوهُ. فَمَنْ أَنْكَرَ الْأَسْبَابَ، لَمْ يَسْتَقِمْ مِنْهُ التَّوَكُّلُ. وَلَكِنَّ مِنْ تَمَامِ التَّوَكُّلِ عَدَمَ الرُّكُونِ إِلَى الْأَسْبَابِ، وَقَطْعَ عَلَاقَةِ الْقَلْبِ بِهَا؛ فَيَكُونُ حَالُ قَلْبِهِ قِيَامَهُ بِاللَّهِ لَا بِهَا. وَحَالُ بَدَنِهِ قِيَامَهُ بِهَا. فَالْأَسْبَابُ مَحَلُّ حِكْمَةِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَدِينِهِ. وَالتَّوَكُّلُ مُتَعَلِّقٌ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَقَضَائِهِ، وَقَدَرِهِ. فَلَا تَقُومُ عُبُودِيَّةُ الْأَسْبَابِ إِلَّا عَلَى سَاقِ التَّوَكُّلِ. وَلَا يَقُومُ سَاقُ التَّوَكُّلِ إِلَّا عَلَى قَدَمِ الْعُبُودِيَّةِ. انتهى.

والحاصل أن حصول الثقة بهداية الله، ينشأ عن كمال التوكل عليه في هذا الأمر، وكمال التوكل عليه فيه يكون بالأخذ بالأسباب، مع ركون القلب إليه -سبحانه-، واعتماده عليه، والعلم بأن الإنسان لا حول له ولا قوة، وأنه لو لم يهدِه الله لم يهتدِ، كما قال تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ {النور:21}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني