الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تمليك الزوج بيته لمطلقته وأولادها مقابل التنازل عن النفقة

السؤال

أبي وأمي لديهم ستة أولاد، أربع بنات وولد يعيشون معهم، وأنا أعيش وحدي مع زوجتي.
أبي يملك بيتين: واحد في الجزائر، كبير، وواحد هنا في إيطاليا، يعيشون فيه.
بسبب الكثير من المشاكل عزموا على الطلاق، وأبي اقترح على أمي أن يملكها البيت مقابل تنازلها عن النفقة، وأمي تقول له، لا بل يجب عليك أن تهدينا البيت، وتتكفل أيضا بنفقتنا.
السؤال: هل هناك أحد منهما على صواب؟ وماذا يجب على أبي من واجبات تحديدا نحو أمي وإخوتي بعد الطلاق؟
أفيدونا، جزاكم الله كل خيرا، ووفقكم لما يحبه و يرضاه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا نستطيع الجزم بمن هو على صواب، أو من هو على خطأ من والديك، وقد يكون الأمر بينهما مجرد سوء تفاهم.

وعلى كلٍّ ينبغي أن يكون محل الاهتمام الحيلولة دون حصول الطلاق؛ فإن حدوث المشاكل في الحياة الزوجية أمر عادي، ولا يلزم أن يكون الطلاق هو الحل، بل الأولى سلوك كل سبيل مشروع يمكن من خلاله حل المشكلة دون الفراق.

ووجود الأولاد من أهم دواعي بقاء الأسرة على ألفة ووئام، وغالبا ما يكون للطلاق آثاره السيئة عليهم؛ ولذلك ذهب من ذهب من أهل العلم إلى أن الأصل فيه المنع، إلا أن تدعو إليه حاجة.

قال ابن عابدين في حاشيته: الطلاق الأصل فيه الحظر، بمعنى: أنه محظور، إلا لعارض يبيحه، وهو معنى قولهم: الأصل فيه الحظر، والإباحة للحاجة إلى الخلاص. فإذا كان بلا سبب أصلًا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا، وسفاهة رأي، ومجرد كفران النعمة، وإخلاص الإيذاء بها، وبأهلها، وأولادها. ولهذا قالوا: إن سببه الحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق، وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى ... فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعًا، يبقى على أصله من الحظر؛ ولهذا قال تعالى: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا} [النساء:34]، أي: لا تطلبوا الفراق. اهـ.

فنوصيكم بكثرة الدعاء لوالديكم بالتوفيق لأن يصلح الله تعالى بينهما، واسْعَ كذلك أنت، ومن يقدر من إخوانك لتحقيق الصلح، وإزالة الخلاف، ويمكنكم توسيط أهل الخير في ذلك، فعسى أن يسوق الله -عز وجل- الخير على أيديهم، فإنه سبحانه إن علم صدق النيات وفق للإصلاح، وقد قال تعالى في محكم كتابه: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}.

فإن تيسر الإصلاح، فالحمد لله على تمام النعمة، وإن كان الآخر، وهو الطلاق، فيلزم أباك نفقة أمك بالمعروف -إن كان الطلاق رجعيا، أو كانت هي حاملا حتى تنقضي عدتها-، وكذلك حقها في المهر المؤخر -إن كان-، وتلزمه كذلك نفقة من لا مال له من أولاده على تفصيل سبق بيانه في الفتوى: 8845، وراجع أيضا الفتوى: 179233.

ولا يلزم أباكم أن يتبرع لأمك وأولادها بالبيت، أو يعطيهم إياه، وإنما الذي يلزمه في حال وجوب نفقة أمك عليه حسبما سبق، أو نفقة أولادها عليه لحاجتهم لذلك، هو نفقتهم بالمعروف، بما في ذلك إسكانهم. فإن قام بذلك، ولو بالكراء سقط الواجب عنه.

أما تنازله عن بيته، وتمليكهم إياه، فلا يلزمه إلا إذا رضي بذلك طوعا مقابل النفقة والسكنى، فلا بأس.

جاء في الفتاوى الهندية: وإذا صالح امرأته عن نفقة سنة على ثوب، ودفع إليها فهو جائز. انتهى.

وفيها أيضا: لو وقع الصلح على عبد أو ثوب ينظر إن كان الصلح بينهما قبل قضاء القاضي لها بالنفقة، وقبل تراضيهما على شيء لكل شهر يعتبر الصلح بينهما تقديرا للنفقة، وأيضا إن كان الصلح بعد فرض القاضي، أو بعد تراضيهما على شيء لكل شهر يعتبر هذا الصلح بينهما معاوضة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني