الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيع السجائر والتصدّق بذلك

السؤال

رجل يمتلك متجرًا يبيع فيه السجائر، والغرض من بيع السجائر هو تصريف تجارته، والمال المكتسب منها يخرجه صدقة في بناء مسجد، أو أيِّ مشروع ينفع المسلمين، فهل هذا يجوز؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد سبق أن بينا في الفتوى: 259633 تحريم بيع السجائر.

والمال المكتسب من بيع السجائر كسب خبيث محرم، فإن كان كاسبه يتصدق به فيما ذُكِرَ من باب التخلص من المال الحرام لا بنية التقرب إلى الله، فلا إشكال في ذلك؛ لأن هذا ما يُفعل بالمال الحرام، ولكن يجب عليه ابتداء أن يتوب إلى الله تعالى، ويكفّ عن بيع ما حرّم الله تعالى؛ والبركة في التجارة لا تكون ببيع الحرام مع الحلال، فهذا من تلبيس إبليس.

وإن كان كاسبه يتصدق به تقربًا إلى الله تعالى، فليعلم أن الله تعالى طيب، لا يقبل الصدقة من كسب خبيث محرم، فقد روى ابن حبان في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ، فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ فِيهِ، وَمَنْ جَمَعَ مَالًا حَرَامًا، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ، وَكَانَ إِصْرُهُ عليه.

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وَأَمَّا الصَّدَقَةُ بِالْمَالِ الْحَرَامِ، فَغَيْرُ مَقْبُولَةٍ، كَمَا فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ». وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: "مَا تَصَدَّقَ عَبْدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ -وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ- إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ». وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِي "مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ" عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَكْتَسِبُ عَبْدٌ مَالًا مِنْ حَرَامٍ، فَيُنْفِقُ مِنْهُ، فَيُبَارَكُ فِيهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، فَيُتَقَبَّلُ مِنْهُ، وَلَا يَتْرُكُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ». وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ دَرَّاجٍ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَسَبَ مَالًا حَرَامًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ، وَكَانَ إِصْرُهُ عَلَيْهِ». خَرَّجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَفِي مَرَاسِيلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصَابَ مَالًا مِنْ مَأْثَمٍ، فَوَصَلَ بِهِ رَحِمَهُ، وَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، جُمِعَ ذَلِكَ جَمِيعًا، ثُمَّ قُذِفَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَيَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُمَا جَعَلَا مَثَلَ مَنْ أَصَابَ مَالًا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، فَتَصَدَّقَ بِهِ مَثَلَ مَنْ أَخَذَ مَالَ يَتِيمٍ، وَكَسَا بِهِ أَرْمَلَةً.

وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَمَّنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ، فَكَانَ يَظْلِمُ، وَيَأْخُذُ الْحَرَامَ، ثُمَّ تَابَ، فَهُوَ يَحُجُّ وَيُعْتِقُ وَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يُكَفِّرُ الْخَبِيثَ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يُكَفِّرُ الْخَبِيثَ، وَلَكِنَّ الطَّيِّبَ يُكَفِّرُ الْخَبِيثَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيُّهَا الْمُتَصَدِّقُ عَلَى الْمِسْكِينِ يَرْحَمُهُ، ارْحَمْ مَنْ قَدْ ظَلَمْتَ. اهــ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني