الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم استحلال المراء والجدال المحرم

السؤال

حكم استحلال رفع الصوت، والجدال المحرم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كنت تسأل عن استحلال المحرم الموجب للكفر، والخروج من الدين: فمحله في المحرمات المجمع على تحريمها إجماعا قطعيا، المعلوم حرمتها من الدين بالضرورة، وظهر حكمها بين المسلمين -كاستحلال الزنا، أو لحم الخنزير-، ولم يكن لمستحلها شبهة أو تأويل، وسبب التكفير بذلك: أن استحلال المحرم قطعي التحريم فيه تكذيب للشرع، ورد لحكمه.
قال ابن قدامة في المغني: ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه؛ كلحم الخنزير، والزنا، وأشباه ذلك مما لا خلاف فيه كفر.

وإن استحل قتل المعصومين، وأخذ أموالهم بغير شبهة، ولا تأويل فكذلك، وإن كان بتأويل كالخوارج، فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفر ابن ملجم مع قتله أفضل الخلق في زمنه، متقربا بذلك، وكذلك يخرج في كل محرم استُحل بتأويل مثل هذا.

وقد روي أن قدامة بن مظعون شرب الخمر مستحلا لها، فأقام عمر عليه الحد، ولم يكفره، وكذلك أبو جندل بن سهيل، وجماعة معه، شربوا الخمر بالشام مستحلين لها، مستدلين بقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا {المائدة: 93} فلم يكفروا، وعرفوا تحريمها، فتابوا، وأقيم عليهم الحد، فيخرج فيمن كان مثلهم حكمهم، وكذلك كل جاهل بشيء يمكن أن يجهله لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك، وتزول عنه الشبهة ويستحله بعد ذلك. اهـ.

فاستحلال المراء والجدال المحرم ليس بكفر؛ إذ تحريمها ليس من المعلوم من الدين بالضرورة.

وأما رفع الصوت؛ فلا ندري ما وجه السؤال عنه ! ومتى كان مجرد رفع الصوت محرما أصلا؟! فإنه إنما يمنع لعارض كرفع الصوت على الوالدين، أو كرفع الصوت في المسجد. وراجع في علاج وساوس الكفر الفتوى: 214492.

وتتميما للفائدة: فإن ضابط المراء المحرم كما جاء في كتاب: (بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية) للخادمي -في تعداد آفات اللسان-:

(المراء) بكسر الميم (وهو طعن في كلام الغير) واعتراض عليه (بإظهار خلل فيه إما) بالكسر (في اللفظ من جهة العربية) صرفا، أو نحوا، أو بلاغة (أو في المعنى، أو في المتكلم بأن يقول هذا الكلام حق، ولكن ليس قصدك منه الحق) وإنما أنت فيه صاحب غرض وما يجري مجراه؛ كقولك لمن أمر بمعروف ليس مرادك حقا، بل مرادك رياء أو سمعة (ومن غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير) فلو لإظهار الصواب والدلالة ما هو الحق في الواقع فليس من الآفات بل من المناظرة أشار الشارع إلى الأمر به بقوله {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل: 125] الآية (وإظهار مزية الكياسة) وكمال الذكاء (وهذا) الطعن بهذا الغرض (حرام) لكونه أذى مسلم ومستلزما للكبر والرياء.

ثم قال: (الجدال وهو ما يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها، فإن قصد به تخجيل الخصم وإظهار فضله) لعل ذلك عند عدم دواع شرعية (فحرام) (وإن قصد إظهار الحق وهو نادر) فيه تنبيه على أولوية تركه لأن النادر كالمعدوم، وأن أكثر مدار الشرع على الأعم الأغلب، لكن قد عرفت أنه قد يجب ولو كفاية فينبغي أن يقيد بما يشير إلى نحو ما ذكر (فجائز بل مندوب إليه) فالتفاوت على تفاوت الأغراض والوقائع .اهـ. وانظر الفتويين : 179419 - 192507.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني