الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم هجر المسلم بسبب الأذى

السؤال

أنا شخص انطوائي لا أحب أن أصاحب الكثير من الناس، أو حتى أخالطهم لفترة طويلة، بل تكون المخالطة لضرورة. وبعد ذلك أنسى الأشخاص الذين تعاملت معهم، ولا أسأل عن حالهم، ولكن إذا سأل أحد منهم أو أراد شيئا مني؛ فإني أساعده فيه إذا قدرت على ذلك أو كان لدي الوقت لأساعده.
ولكن عندما أتأذى من تصرف شخص معي، فإني أنبهه أن هذا التصرف أو الفعل يؤذيني، وإذا عاد في فعله مرة أخرى، فإنني أهجره هجرا تاما، حتى إذا حاول أن نعود أصدقاء كما كنا، فإنني أتجاهله.
السؤال هنا: هل ما أفعله صحيح؟ وإذا لم يكن صحيحا. فكيف يجب أن أتصرف؟
جزاكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن مخالطة الناس أو اعتزالهم، يختلف الحكم فيها باختلاف الأحوال، ويرجع في ذلك إلى المصلحة الشرعية، كما سبق بيانه في الفتويين: 145693، 158317.

والمقصود أن يسير المسلم في هذا الجانب على بصيرة من أمره.

وأنت محسن بمساعدتك من يطلب منك المساعدة من الناس، فقد ثبت في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.... الحديث.

وتفقد أحوال الناس أمر طيب، وكان هذا من هدي النبي صلى اله عليه وسلم، فقد كان يسأل عن أحوال أصحابه، ويزورهم في بيوتهم ويجالسهم ويؤانسهم، فإن لم يشغلك ذلك عما هو أهم، فينبغي أن تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.

ولا شك في أنه لا يلزم فيما تتأذى منه أن يكون مما لا يجوز للآخر فعله، فإن كان مما يجوز له فعله، فعليك في هذه الحالة العمل على ما تحمي به نفسك من التأذي. وإن كان مما لا يجوز له فعله، فالمشروع في مثل هذا بذل النصح لصاحبه، فالنصيحة مطلوبة بين المسلمين، ففي صحيح مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الدين النصيحة»، قلنا: لمن؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم».

ومن يتمادى في إيذائك فلك الحق في هجره إن كان ذلك يؤدي إلى عدم إيذائه لك.

قال الحافظ ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل، خير من مخالطة مؤذية. انتهى.

ولكن ينبغي أن تراعي في ذلك المصلحة، فقد يكون التأليف أحيانا أفضل من الهجر، كما هو مبين في الفتوى: 21837.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني