الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسح الرأس والسجود لمن قام بزراعة الشعر

السؤال

بعد زراعة الشعر يُوصى بعدم لمس مكان الزراعة بأي شيء لبضعة أيام، وكذلك عدم تحريك الرأس إلى أسفل، فكيف يكون الوضوء والصلاة في هذه الحالة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إن زراعة الشعر لمن به صلع جائزة؛ لأنه إزالة عيب، ومن باب التداوي، كما بيناه في الفتوى: 410215.

ومسح الرأس فرضٌ في الوضوء؛ لقول الله تعالى في آية الوضوء: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ {المائدة:6}.

وكذا السجود ركنٌ من أركان الصلاة، والفروض سواء في الصلاة أم الوضوء لا تسقط إلا عند العجز.

ولم تذكر لنا -أخي السائل- من الذي يوصي بما ذكرته من عدم مسح الرأس والسجود، وقد عَلِمْنَا من طبيبٍ مختص في جراحة التجميل أن مسح الرأس لا يؤثر على زراعة الشعر، والذي يمنع منه هو الغسل، لا مجرد المسح، وكذا أعلمنا بأن السجود الخفيف لا أثر له على زراعة الشعر، والذي ربما يؤثر عليه هو السجود الطويل.

وما دام الأمر كذلك؛ فإنه لا يسقط مسح الرأس ولا السجود عن من قام بزراعة الشعر، فيمسح المتوضئ على رأسه، ويسجد سجودًا خفيفًا، ولو بقدر تسبيحة واحدة.

ونرجو أن لا يكون الباعث على هذا السؤال وسوسة، فقد ذكر لنا الأخ السائل في سؤال سابق أنه يعاني من وسوسة في الطهارة والصلاة.

ولو فُرِضَ أن المسح على الرأس يؤثر فعلًا؛ بناء على خبر الطبيب المختص:

فإن أمكن مسح بعض الرأس دون استيعابه، فليمسح على بعضه، وهذا المسح مجزئ عند الشافعية، والحنفية، وهو قولٌ قوي له وجه؛ لأن مسح بعض الرأس قد صح عن ابن عمر، وعائشة، وإن كان الجمهور على وجوب استيعاب الراس بالمسح، ولكن العمل بذلك القول لا بأس به، لا سيما عند الحاجة.

والمسح على بعض الرأس خير من ترك المسح بالكلية، وفي الحديث: فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ؛ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. متفق عليه.

وإن تعذر المسح كليًّا بأن كان مسح بعضه يسبب تلف الشعر المزروع مثلًا، أو ضررًا، فلا حرج في ترك المسح حينئذ؛ لحاجة العلاج، ويتيمم عن الرأس بدلًا عن مسحه، قال الإمام النووي في «المجموع شرح المهذب»: فالمرض ثلاث أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: مَرَضٌ يَسِيرٌ، لَا يَخَافُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَعَهُ تَلَفًا، وَلَا مَرَضًا مَخُوفًا، وَلَا إبْطَاءَ بُرْءٍ، وَلَا زِيَادَةَ أَلَمٍ، وَلَا شينا فَاحِشًا، وَذَلِكَ كَصُدَاعٍ، وَوَجَعِ ضِرْسٍ، وَحُمَّى، وَشِبْهِهَا، فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً ...

الضَّرْبُ الثَّانِي: مَرَضٌ يُخَافُ مَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ تَلَفُ النَّفْسِ، أَوْ عُضْوٍ، أَوْ حُدُوثُ مَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ، أَوْ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ، فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ ...

الضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يخاف إبطاء البُرْء، أَوْ زِيَادَةَ الْمَرَضِ، وَهِيَ كَثْرَةُ الْأَلَمِ، وَإِنْ لم تطل مدته، أو شدة الضنا، وَهُوَ الدَّاءُ الَّذِي يُخَامِرُ صَاحِبَهُ، وَكُلَّمَا ظَنَّ أَنَّهُ بَرِئَ نُكِسَ، وَقِيلَ: هُوَ النَّحَافَةُ وَالضَّعْفُ، أَوْ خَافَ حُصُولَ شَيْنٍ فَاحِشٍ عَلَى عُضْوٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ الَّذِي يَبْدُو فِي حَالِ الْمِهْنَةِ غَالِبًا.

فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ النُّصُوصُ وَالْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَحَاصِلُهُ ثَلَاثُ طُرُقٍ، الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: أَصَحُّهُمَا: جَوَازُ التَّيَمُّمِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَدَاوُد، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. اهــ.

وإذا تيمم عن مسح الرأس، فله أن يتيمم عنه أثناء الوضوء عندما يصل إلى مسح الرأس، وله أن يتيمم عنه بعد الوضوء، ولا يشترط الترتيب. وانظر الفتوى: 322396.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني