الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

منذ فترة سب أحد الجيران والدتي بلفظ عامي، يعني: "عاهرة", بسبب موقف هو المخطئ فيه، وكررها مجددا؛ لأني لم ألق عليه السلام بسبب فعله. فأصبحت أتجنبه في الطريق، ولا ألقي عليه سلاماً، ولا أكلمه.
فهل هذا جائز أم عليّ إثم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إن وصف امرأة بأنها عاهر، يعتبر رميا بالزنا، وبلفظ صريح.

قال المرداوي -الحنبلي- في «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف»: وألفاظُ القَذْفِ تَنْقَسِمُ إلى: صَرِيحٍ وكِنَايَةٍ؛ فالصَّرِيحُ قَوْلُه: يا زانِي، ‌يا ‌عاهِرُ. اهــ.
ومن المعلوم أن قذف المحصنات المؤمنات بالزنا، كبيرة من كبائر الذنوب، وموبقة من الموبقات، كما في الحديث: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ -وذكر منهن-: وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ. متفق عليه.

كما أن القذف يترتب عليه جلد القاذف ثمانين جلدة، إذا لم يحضر بينة على قذفه؛ لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. [النور: 4].

وإقامة الحد إنما هو إلى السلطان، فهو المخول بإقامته، كما بيناه في الفتوى: 315619، وهو حق للشخص المقذوف يجوز له استيفاؤه، أو العفو عنه.

وبهذا، يتبين أن القذف ليس بالأمر الهين الذي يتلفظ به الإنسان من غير نظر في عاقبته: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور: 15].

وأما هجرك لقاذف أمك: فنرجو أن لا حرج عليك فيه، وإن كان هجرا لحق النفس؛ لما في شناعة فعله، وقد ذكر بعض الفقهاء روايتين عن الإمام أحمد على جواز هجر القاذف الأجنبي، بخلاف القاذف القريب.

قال ابن مفلح -الحنبلي- في «الآداب الشرعية والمنح المرعية»: فَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ كَالْقَذْفِ وَالسَّبِّ وَالْغِيبَةِ، وَأَخْذِ مَالِهِ غَصْبًا وَنَحْوِ ذَلِكَ. نَظَرْت: فَإِنْ كَانَ الْمُهَاجِرُ وَالْفَاعِلُ لِذَلِكَ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَرْحَامِهِ، لَمْ تَجُزْ هِجْرَتُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ، فَهَلْ تَجُوزُ هِجْرَتُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. اهـ.

كما أن تكراره قذف والدتك لمجرد أنك لم تلق عليه السلام، يدل على استهتاره وعدم مبالاته بحدود الله تعالى، وأمنه العقوبة الشرعية، وقد ذكر الفقهاء أن من الهجر الجائز هجر الفاسق الذي لا يُتوصل إلى عقوبته.

قال ابن مفلح -أيضا- في: «الآداب الشرعية والمنح المرعية»: وَالْهِجْرَانُ الْجَائِزُ ‌هَجْرُ ذَوِي الْبِدَعِ، أَوْ مُجَاهِرٍ بِالْكَبَائِرِ وَلَا يَصِلُ إلَى عُقُوبَتِهِ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَى مَوْعِظَتِهِ، أَوْ لَا يَقْبَلُهَا، وَلَا غِيبَةَ فِي هَذَيْنِ فِي ذِكْرِ حَالِهِمَا. اهـ.

وانظر الفتوى: 303892، والفتوى: 309286، والفتوى: 294091 وكلها في الهجر وضوابطه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني