الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم عدم الإنكار على من لم يلبسن الزي الشرعي

السؤال

أنا أصغر أخواتي البنات، وقد مَنَّ الله عليَّ بنعمة الحجاب الشرعي، ثم النقاب، ولكن أخواتي غيري، فهنَّ حتى الآن لم يلبسن الزي الشرعي، وإذا نصحتُهن فأمي تغضب مني، وأخواتي أيضا كذلك، كما أني أخشى منهن؛ لأنهن كلهن أكبر مني، وواحدة منهن حاملة لكتاب الله، والأخرى حاملة لنصفه، أي أنهن يعلمن أن الخمار فرض، ولكن لم يلبسنه. فهل عليَّ ذنب أو إثم؟ أو سأحاسب على عدم نصحي لهن؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كنت تعنين بقولك عن أخواتك: "فهن حتى الآن لم يلبسن الزي الشرعي" أي أنهن يخرجن متبرجات، فإننا أولا نتعجب من امرأة حافظة لكتاب الله تعالى، أو لنصفه، وهي مع ذلك تخرج متبرجة، فإن هذا -والله- مما يشتد منه العجب، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا شك أن نصيحتهن واجبة؛ لما رواه مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.

وحكم هذا الإنكار بينه النووي في شرحه لصحيح مسلم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. اهـ.

ومنه تعلمين أنه قد يتعين عليك الإنكار على أخواتك تبرجهن، وأنه يسقط عنك إن خشيت ضررا، فاجتهدي في نصحهن بالحكمة، والموعظة الحسنة، فإن استجبن للنصيحة فذاك، وإلا فقد أديت ما عليك، ولا إثم عليك في تبرجهن، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {المائدة:105}، وانظري الفتوى: 279358. في بيان أن من أنكر المنكر لا يضره عدم الاستجابة لنصحه شيئًا.

وأما إن كنت تعنين أن أخواتك لا يغطين وجوههن -مع لبسهن للحجاب الشرعي-؛ فمسألة وجوب تغطية المرأة وجهها محل خلاف بين أهل العلم، وليست من مسائل الإجماع والاتفاق بينهم، ومسائل الخلاف المعتبر لا إنكار على من أخذ بأحد الأقوال فيها، أنه لا يُغلَّظ فيها على مرتكب المختلف فيه، ولا يُنهى عن فعله نهيًا جازمًا، لكن إن بيّن له أن الأمر مختلف فيه، وأن الأحسن الخروج من الخلاف؛ فلا حرج. كما في الفتوى: 430849. كما بينا في الفتوى: 409000. حكم الإنكار على من تكشف وجهها أمام الرجال، وذكرنا أن هذه المسألة من مسائل الخلاف، وأن من أهل العلم من يرى عدم الإنكار عليها، ومنهم من يرى الإنكار إذا كان المذهب المتبع في البلد هو وجوب التغطية.

ومن المعلوم أن النساء في مصر -بلد السؤال- لا يسترن وجوههن في الجملة، فعلى كلا القولين المذكورين في الفتوى السابقة لا يجب عليك الإنكار على أخواتك، اللهم إلا إن خرجن مكشوفات الوجوه متزيناتٍ بشيء من الزينة؛ كأحمر الشفاه مثلا ونحوه، فتنكرين عليهن هنا برفق وحكمة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني